فاطمة عثمان العزو
مولدها و نشأتها:
فاطمة عثمان عزو عالمة بارزة في علوم الفقه الشرعي وأصوله وتفسير القرآن وشروحه وتلاوته.
وكذلك هي أديبة لغوية حملت في مطاويها مهارة عالم النحو وفي كيانها نبوغ المتمكن من علوم الصرف وحذق المبدع المتمرس في علوم البلاغة العربية.
فاطمة هي الإبنة الوحيدة لعالم الفقه الكفيف المعروف بعثمان عزو الفران.
كانت فاطمة الطفلة الوحيدة لعالم ديني كفيف لم يرزقه الله غيرها ! ولكن لم يجعل منها طفلة مدللة ترفل في الدلال واللعب كونها الطفل الوحيد، بل جعل منها منارة من فقه وجبلاً من علوم شتى تمكنت منها فاطمة منذ حداثة سنها .. فقد تلقت على يديه علوم النحو والصرف والفقه والتفسير بعد أن تعلمت منه القراءة والكتابة .. فقرأت القرآن قراءة صحيحة لا لحن فيها ولا خطل لغوي مقيت ولم تكن قد تجاوزت ست سنوات من عمرها
ولم يكتف والدها العالم الفقهي بذلك كلا إنما استقدم لها أمهر من علم ودرس علوم الخط العربي وكذلك اللغة الفرنسية لأهميتها في زمن الاحتلال الفرنسي ..
حتى تمكنت منها وأصبحت مترجمة حاذقة ومتكلمة بارعة في اللغة الفرنسية وفنون الخط العربي وعلوم اللغة والفقه الشرعي
ولدت فاطمة في حي الشرقية الذي كان حي العلوم والفنون في مدينة حماة عام 1923م
وتوفيت عام 1997م .
أمضت عالمتنا حياتها في قراءة الكتب والمخطوطات لوالدها حيث كان يقوم بشرح المسائل الفقهية، ومن ثم تعود فاطمة لتكتب ما قام والدها بشرحه، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية كان بيت العالم عثمان العزو كتاباً من أهم الكتاتيب في حي الحاضر برمته في تلك الآونة فقد جعل من بيته مدرسة تبث العلم على مدار النهار في تعليم الأطفال والرجال والنساء علوم الدين واللغة العربية وكذلك كان الدار داراً للأفتاء الديني والقضاء بين الناس من حيق الوجهة الشرعية..
استلمت فاطمة الأطفال الصغار والنساء في التعليم، واستلم والدها الشباب والرجال
كانت فاطمة المفتية شبه الوحيدة التي يقصدها النساء للسؤال والمعرفة في شؤون دينهن ودنياهن .. فكان ذلك عمل امرأة لا يضاهى ولا يماثله عمل مفيد آخر !
وللعلم إن فاطمة تنتمي إلى أسرة جل رجالها من حفظة القرآن وتجويده وتلاوته (آل عزو )
عندما شب عنها الطوق وأصبحت يافعة تقدم للزواج منها محمد طربيق المعمار الشهير وهو من آواخر المعماريين القدماء .. تقدم وطلب يدها من أبيها فقال له الشيخ عثمان :
كيف أزوجك فاطمة وهي نور عيني وبصيرة قلبي فهي التي تقرأ لي وتكتب ما أشرح
وكيف أزوجها وامنع الأطفال والنساء من تعلم الدين واللغة العربية ..
فكان الاتفاق أن تسكن فاطمة في بيت أبيها بعد الزواج لا سيما أن بيت أبيها واسع جداً وكان ذلك وبقيت فاطمة تعمل على مدار النهار في بيت والدها الذي كان خلية نحل علمية لغوية أدبية دينية ..
ولم تكتف الأمور بذلك بل تبرعت والدة فاطمة بعد زواجها أي زواج فاطمة والأم أيضاً من عائلة يشهد لها بالصلاح عائلة طالب آغا
فقد منعت ابنتها من الطبخ والكنس وأعمال البيت مع عريسها المعروف (بالحسوني) وذلك حرصاً على مسيرة التعليم والإفتاء خلال النهار وعدم إعاقته بأي عائق؛ حتى لا يتوقف هدير العلم في بيتهم وبقيت والدة فاطمة على هذه الحال قرابة ربع قرن ونيف من الزمن !!
فاطمة تعلم وتفتي وأمها تطبخ لها وتكنس وتقوم بأعباء البيت !
أصبحت العالمة فاطمة عزو فيما بعد مرجعاً لغويا في علوم النحو والصرف والبلاغة يقصده كبار الأساتذة لتحل ما اختلف فيه المختلفون من قضايا لغوية نحوية فقد المت بجميع مدارس النحو المعروفة تاريخياً وتمكنت منها أي تمكن وقل الأمر نفسه في علوم الفقه والتفسير !
تركت فاطمة مكتبة كبيرة احتوت على أمهات الكتب القيمة كما تركت مجموعة من رسائل مخطوطة فقهية ولغوية هامة ..
وهكذا أمضت حياتها بين علم وتعلم وتعليم فقد كان لها فضل وأي فضل في بث الأخلاق والعلم وتنشئة جيل متميز ما زال معظمه يذكرها ويذكر والدها حتى اللحظة فقد حازت على شهرة ليس في حي الشرقية وحده بل في سائر أحياء حماة في تلك الآونة ..
ولم تزل آثار علمها وتعليمها موجودة في كثير ممن تعلموا وتعلمن على يديها الطاهرتين
طوبى لها .. رحمها الله
____________________________________________
كاتب الترجمة: محمد فاضل