مدينة حماة

حماة بلد أصيل يربض على ضفاف العاصي وسط سوريا على وادي الحياة التاريخي الممتد من الأناضول إلى فلسطين.

حماة.. هذه المدينة الموغلة في القدم بنواعيرها العملاقة المسخرة لخدمة الحياة والنماء والخصوبة والحضارة.

حماة.. ذات الموقع الاستراتيجي بين الجبل والبادية وصلة الوصل من موانئ البحر المتوسط.

حماة.. التي تأسرك باسمها وحميمية أهلها وفتنة أحيائها القديمة التي تحفظ أطياف ياقوت الحموي وابن واصل وأبو الفداء وكل حموي خرج منها واحتفظ بلقبه، وكل حموي بقي فيها يتنفس عبر التاريخ ويعيش حيوية الحاضر وطموح المستقبل.


مدينة حماة .. سبب التسمية:

حماة تعني (قلعة أو حصن)، وفي اللغات الشرقية يسمى الحصن (حامات)، وقد سميت حماة بهذا الاسم نسبة إلى قلعتها، وقد طرأ تغير على اسم مدينة حماة حيث أطلق عليها في زمن السلوقيين سنة 301هـ اسم (ابيفانيا) نسبة للإمبراطور انطيوخس ابيفانيوس.

ويطلق عليها أسماء مثل مدينة النواعير؛ نظرًا لانفرادها عن بقية مدن العالم بوجود النواعير بهذا الحجم والعدد على ضفاف نهر العاصي.

دعيت حماة (أبي الفداء) نسبة إلى ملكها الأيوبي العالم والمؤرخ والجغرافي الكبير عماد الدين إسماعيل بن علي الملقب بأبي الفداء، الذي تولى حماة في عام 710هـ/ 1310م، وظل ملكًا لها حتى توفي عام 732هـ/ 1331م, ودفن في مسجده المعروف باسمه تحت قبة تقع في الطرف الشمالي من المسجد، واعتمدت هذه التسمية في المنتدى الأدبي عام 1925م.

الجغرافيا:

تقع مدينة حماة في وسط المحافظة، ممتدة على جانبي نهر العاصي، ويمر بها خط عرض 35 درجة و7 دقيقة شمالاً وخط الطول 36 درجة و44 دقيقة شرقاً. وترقد المدينة الرئيسية ضمن وهدة منخفضة، متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 280م تقريباً، تحيط بها هضاب من الأطراف، يراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 310-325م، ارتقت مساكن المدينة الحديثة أطراف تلك الهضبة.

تبعد مدينة حماة عن دمشق 209كم وعن مدينة حلب 150كم، وتبتعد عن الساحل السوري 120كم عبر الطرق الواصلة بينهما (طريق القدموس وطريق عين الشرقية)، ولموقع مدينة حماة على نهر العاصي أهمية كبرى، فهي المعبر لمن يريد أن يتنقل في أرجاء سورية من أي جهة كانت. كما أن موقعها على طرف البادية السورية الغربي جعل منها سوقاً رئيساً لمنتجات البادية. وهي التي تحتضن نهر العاصي من جانبيه مرتبطة به ومرتبطاً بها، مما دفعها إلى توزيع مياهه بوساطة النواعير لري بساتينها على جانبيه، ولتأمين المياه الضرورية لبيوتها وحماماتها وخاناتها.

كان لنهر العاصي الدور الأول في نشأة مدينة حماة بموقعها المركزي الحالي في الوهدة المنخفضة الواسعة نسبياً والسهلية، التي أسهمت في اختيار الموقع الأول لمدينة حماة، حيث شكلت تلك الوهدة الأرض التي اعتمد عليها الأقدمون في زراعتهم ومعاشهم، لذا اختير موقع المدينة الأولي في الطرف الشمالي الغربي من الوهدة، حيث تقع قلعة حماة النواة الأولى للمدينة في العصر الحجري الحديث في الألف الخامسة قبل الميلاد، ثم توسعت المدينة خارج حدود القلعة في العصور اللاحقة بدءاً من العصر الآرامي حتى أيام الرومان بظهور النواعير وتطور الزراعة، واستمرت في تطورها في العصر البيزنطي المسيحي. فتحها العرب المسلمون عام 17هـ/638م على يد أبو عبيدة عامر بن الجراح. ازدهرت المدينة ازدهاراً كبيراً في العهدين الزنكي والأيوبي، وعاشت كافة الأحداث التي تلت من العهد المملوكي إلى العثماني، فالانتداب الفرنسي، إلى الاستقلال عام 1946، لتتطور بعد ذلك تطوراً كبيراً.


 

وتأثر مخطط مدينة حماة ونموها بمجرى العاصي والهضاب المحيطة بالمدينة من الجهة الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية إذ يجتاز نهر العاصي مدينة حماة في منتصفها، قاسماً إياها إلى قسمين كبيرين، هما الحاضر شمال العاصي والسوق جنوب العاصي، ويصل بين الحاضر والسوق خمسة جسور قديمة كبرى مقامة على النهر، وجسر حديث يقع في الطرف الشرقي من المدينة هو جسر سلمية.

ولم يكن هناك أي مخطط منظم للمدينة في العهدين السلوقي والروماني، وأول حي من أحياء المدينة ظهر خارج القلعة هو حي المدينة في الألف الأولى قبل الميلاد، وقد نمت المدينة باتجاه الطرق الخمسة الرئيسة التي كانت تنطلق منها باتجاه المدن الأخرى (شيزر وأفامية وحلب ومصياف وحمص وسلمية).

وشهدت مدينة حماة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين توسعاً كبيراً باتجاه محاور الطرق الرئيسة الخارجة منها، حيث شيد عدد من الأحياء والضواحي السكنية الحديثة. وتُقسم مدينة حماة حالياً إلى 33 حياً موزعة على خمس مناطق. ويبلغ عدد سكان مدينة حماة نحو 427 ألف نسمة بحسب سجلات الأحوال المدنية لعام 2001، موزعين على الذكور 215 ألف نسمة والإناث 212 ألف نسمة. أما عدد سكان المدينة وفق نتائج تعداد 1994 فهو نحو330 ألف نسمة تقريباً.
مدينة حماة مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد. كانت مملكة من الممالك السورية في العصور القديمة ، تعتبر من المدن الكنعانية ، سيطر عليها الاراميون ووقعت تحت نفوذ الحيثيون فترة من الزمن وفي عام 1700 قبل الميلاد استطاع تحتمس الثالث ملك مصر ان يضم حماة وأخذ منهم جزية عظيمة وتكررت الحروب بين المصريين وممالك في سوريا ونشبت حرب عظيمة بين المصريين والحيثيين الممالك في شمال سوريا واسيا الصغرى استمرت لمدة 15 سنة قتل في أثنائها ملك الحيثيين وخلفه أخوه كيتا وتم عقد صلح اخيرا بين الحيثين والمصريين وتزوج رعمسيس ملك المصريين بنت كيتا مار ( أحد ملوك الحيثين ) تأكيدا للمودة.

وفي حدود عام 1000 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة تحت حوزة النبي داود عليه السلام وكانت تسمى في عهده مملكة صوية وكانت من أكبر المدن ، فقد حارب داود عليه السلام ملك دمشق فانتصر عليه فلما بلغ توعي ملك حماة الخبر أرسل لداود ابنه يورام فوقع معاهدة صلح بينهما. ثم سار داود عليه السلام فملك حمص وجاء إلى حماة ونزل فيها ضيفا ومالكا، وكانت حماة فيما بعد تابعة لبني إسرائيل مرة ومرة أخرى تكون مملكة مستقلة. وظل الأمر كذلك حتى قضى بختنصر ملك بابل على بني إسرائيل واستولى على بلادهم وساقهم سبايا وقد خيم حول حماة وأرسل وزيره بعساكره الجرارة فساقوا بني إسرائيل وتركوا منازلهم خاوية على عروشها.

ولما قدم الإسكندر الأكبر إلى بلاد الشام ( بلاد سوريا ) كانت حماة إحدى المدن التي دخلت في سلطانه وكانت من ضمن ما استولى عليه وبقيت من سنة 332 قبل الميلاد إلى سنة 62 قبل الميلاد يتعاقب عليها حكام الامبراطورية اليونانية ولم تنج من الحروب الطائلة في تلك الأزمنة. وفي حوالي عام 312 قبل الميلاد ملك البلاد السورية لوقس فبنى مدينة أنطاكية على الساحل السورى وأقام بها وسماها باسم أبيه أنطوكيوس، وبنى مدينة سلوقية وتسمى الآن السويدية على ضفة نهر العاصي في سوريا ، وبنى أفاميا وبدلها الآن قلعة المضيق وسماها أفاميا باسم امرأته، وبنى باسم أمه لوزيقة مدينة اسمها الآن اللاذقية، وبنى قلعة حلب ، وجاء إلى حماة فأمر بتسوية جبل القلعة على الاستدارة فسوى وأمر ببناء قلعة على صورة قلعة حلب ثم ما زال بعده الملوك يزيدون بها ويحسنون بناءها حتى أصبحت في الأزمنة الغابرة من أدهش القلاع في العالم .

وفي حوالي عام 64م استولى الرومان على حماة فيما استولوا عليه من بلاد سورية وامتدت مدة ملكهم وعظمت شوكتهم ودخلت عليهم الحضارة فازدهرت البلاد وكثر السكان فقد كان المكان المسمى بلعاس في مدتهم كورة عظيمة ذات قرى كثيرة وأشجار مثمرة من زيتون وغيره وهم الذين أنشئوا النواعير على نهر العاصي ليستفيدوا من الماء فيجري في الأمكنة المرتفعة ومما عملوه اقنية الماء مثل قناة المياه الرومانية من مصياف إلى حماة مغطاة بالحجارة يجري الماء بداخلها لتحيى به القرى المجاورة له وليشرب منه أهل المدينة و قناة أخرى من شرقي سليمة مارة بشمال حماة حتى قلعة المضيق لتعمر القرى المجاورة لها أيضا.

حماة في التاريخ الاسلامي:



كان الفتح الإسلامي لحماة بعد أن استطاع الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح — فتح حمص فجعل عليها الصحابي عبادة بن الصامت — ثم فتح الرستن ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين عام 18هـ فصالحهم على الجزية في رؤوسهم والخراج على أرضهم وأقام في حماة مدة واتخذ كنيستها العظمى جامعا ثم رحل إلى شيزر بالقرب من حماة فصالحه أهلها على ما صالحه عليه أهل حماة ومن ذلك الحين دخلت حماة في الدولة الإسلامية هي وتوابعها من البلدات والقرى .

ظلت حماة تابعة للخلفاء الراشدين حتى دخلت في حكم الأمويين واصبحت احدى المدن الهامة في عهد الدولة الاموية ، وفي وقت لاحق في حماة وبعض القرى التابعة من عرب كندة الذين سكنوا صحاري حماة من جهة الشرق وعشائر كلب الذين سكنوا الصحاري من جهة الغرب ، وألحقت بحمص فكانت من أعمالها إلى عام 290هـ . وفي عهد العباسيين لم يكن لهم عناية إلا بإعمار بغداد وبعض مدن الفرات فطفق الناس يهجرون أوطانهم ويقصدون التقرب من مركز الخلافة حتى انحسرت الحضارة والعمران عن بعض المدن الكبيرة التي كانت حماة تستقي منها موارد ثروتها مثل كورة البلعاس والأندرين ولطمين وغيرها .

وتوالت الأحداث على حماة بهجوم القرامطة عليها سنة 291هـ / 904 م بقيادة أبي شامة رئيسهم فإنه ملك حمص وحماة وقتل أهلها وأطفالها وعمل مثل ذلك بالمعرة وسلمية فقتل في سلمية كثيرون حتى صبيان الكتّاب فأرسل إليهم المكتفي العباسي جيشا عظيما فالتقوا بهم عند قرية تمنع “تمانعة” فقتلوا من القرامطة كثيرين وانتصروا عليهم وقبضوا على أبي شامة قائدهم وابن عمه.

الصليبيون:

وفي عام 523هـ / 1129 م سار عماد الدين زنكي بن آق سنقر وعبر الفرات وكتب إلى توري ملك دمشق أن يمده بالجنود لمحاربة الفرنج فكتب توري لولده سونج صاحب حماة ايامها أن يسير معه بعسكره فجهز عسكر حماة ورحل إلى حلب وخيم بظاهرها فقبض عليه عماد الدين زنكي ورحل فورا إلى حماة فتسلمها بلا حرب لخلوها من الجند ثم سار منها إلى حمص محاربا فحاصرها ولم يقدر على فتحها فرجع وأبقى أمير حماة معتقلا عنده ثم أطلقه وأرسله إلى أبيه ، وظلت حماة في ملك عماد الدين حتى توفي في عام 541هـ / 1147 م فملكها بعده ابنه نور الدين زنكي .

وفي عام 552هـ / 1157 م في شهر رجب اهتزت أرض حماة بزلزال قوي فخربت وتهدمت أسوار قلعتها. ولكن سرعان ما تدارك الملك العادل نور الدين حماة بإعادتها لما كانت عليه فبنى أسوارها وأعاد قلعتها وبنى جامعه المعروف وبجانبه المارستان النوري وبعض مبانيها ثم بنى أسوار بقية المدن التي تضررت من الزلزال مثل شيزر ودمشق وحمص وبعلبك وحلب.

وفي عام 570هـ / 1175 م غرة ربيع الآخر دخلت البلاد في حوزة صلاح الدين الأيوبي وولى على حماة خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي. وفي عام 573هـ / 1178 م سار الصليبيون بجموعهم إلى حماة وكان عاملها مريضا فشددوا عليها الحصار واجتمعوا حول السور حتى كادوا يفتحونها قهرا ولكن استطاع سكانها أن يخرجوا الصليبيين من المدينة ويبعدونهم عن المدينه فرحلوا إلى بلدة حارم ثم توفي عامل حماة شهاب الدين الحارمي فأرسل صلاح الدين إلى حماة ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر وأمره بحفظ البلاد وقد استطاع أن يهزم قوات قليج أرسلان. ثم توفي الملك المظفر في رمضان عام 587هـ / 1191 م وتسلم الأمر فيها بعده ابنه الملك المنصور محمد.

وفي عام 599هـ / 1203 م قصد الصليبيون حماة من حصن الأكراد و طرابلس وغيرهما فتلقاهم الملك المنصور ملك بعرين وأنجده ملك بعلبك وملك حمص وهناك اشتعلت نيران الحرب وامتدت في سهول بعرين فكانت الهزيمة على الصليبيين بعدما تركوا قتلى وأسرى لا تعد فعاد ملك الديار الحموية إلى بعرين من ميدان الحرب ظافرا منتصرا، ولكن سرعان ما أعاد الصليبيون ترتيب جيوشهم ورجعوا للحرب وكان المنصور لم يرحل من بعرين وكان عودهم بعد ثمانية عشر يوما من هزيمتهم فهزموا مرة أخرى هزيمة منكرة على يد جيش حماة وتركوا خلفهم أسرى وقتلى ، ولما لم يقدروا على بعرين تركوها وساروا قاصدين حماة فاستعد الحمويون للقائهم وصدوهم ولم يستطيعوا وانهزم الصليبين للمرة الثالثة.

المغول:

وفي سنة 657هـ / 1259 م دخل التتار بلاد المسلمين حيث وصل هولاكو بعساكره في العشر الأخير من ذي الحجة إلى حلب وكان حاكمها توران شاه بن صلاح الدين فخرج عسكر حلب لقتالهم ولكنهم انهزموا أمام التتار وطار الخبر إلى دمشق فأراد الملك الناصر أن يحارب التتار ورحل الملك المنصور ملك حماة إلى برزة ولم يبق في حماة غير النواب فلما بلغ سكان حماة ما فعل التتار بحلب أرسلوا إلى المنصور وهو في برزة بالقرب من دمشق يستشيرونه فما يصنعون ثم أجمعوا على التسليم فسار الوجهاء إلى حلب ودخلوا على هولاكو وسلموه مفاتيح حماة وطلبوا منه الأمان فأمنهم وأرسل معهم عاملا من قبله اسمه خسرو شاه فتولى شئون حماة وأمن المدينة وتسلم القلعة ، وقد أرسل هولاكو الملك الأشرف ملك حمص إلى حماة من أجل أن يهدم أسوار قلعتها فهدمها وأحرق ما فيها من الذخائر وعدة الحرب وباع الأشرف ما كان في دار السلطنة من كتب بثمن بخس جدا ثم قصد تخريب أسوار المدينة إلا أن ذلك شق على أهل حماة فدفع والي حماة إبراهيم ابن الإفرنجية مالا إلى عامل هولاكو خسرو شاه لأجل أن لا يهدمها فأخذ المال ومنع الملك الأشرف من هدم سور المدينة .

وفي أوائل رمضان عام 658هـ / 1260 م سار الملك المظفر قطز بجيوش المسلمين وبصحبته ملك حماة وأخوه الأفضل لمحاربة التتار وكان قد تغلب عليهم في موقعة عين جالوت، فلما بلغ كتبغا نائب هولاكو على دمشق الخبر جمع التتار وخرج للقاء الجموع الإسلامية وفي صحبته ملك حمص وغيره من الملوك الذين اتفقوا مع التتار فكان الحرب في مكان يسمى الغور وثبت المسلمون وانتصروا على التتار فتبعهم المسلمون يقتلون ويغنمون وقتل في هذه الواقعة كتبغا وأسر ابنه وتعلق التتار في رءوس الجبال فتبعهم المسلمون وأفنوهم عن آخرهم قتلا وتشريدا. ثم أحسن قطز إلى ملك حماة وأقره على ملكه وتوابعه فلما وصل إلى حماة قبض على أعوان التتار وفر خسرو شاه إلى الشرق.

وفي عام 672هـ / 1274 م رحل الأمراء من حماة ورحل ملكها إلى دمشق خيفة من التتار لأنهم كانوا قد لموا شعثهم وعادوا إلى البلاد الشامية للغارة عليها ولكن في المرة الأخيرة لم يكن حرب. وقد ظلت الحروب مستمرة بين المسلمين والتتار. وفي عام 700هـ / 1301 م عادت التتار إلى البلاد السورية محاربة قاصدة استرجاع دمشق لاهميتها فعبر ملكهم بعساكره الفرات ورحل صاحب حلب بعسكره إلى حماة وظل التتار يعيثون في الأرض الفساد مدة ثلاثة أشهر ثم رجعوا من أنفسهم بلا حرب واستقرت المدينة بعد رحيل التتار .

وفي عام 745هـ / 1346 م هطلت الأمطار الغزيرة ففاض نهر العاصي وأغرق دورا كثيرة فخربها وأتلف بساتين البلد وتضرر الناس بذلك ضررا فاحشا. ثم أصاب البلاد طاعون جارف فتك بالناس في حماة وبعض البلدان الاخرى .

وفي عام 803هـ / 1401 م ولي حماة رجل اسمه دقماق وفي ذلك الوقت شاع خبر أن تيمورلنك قادم إلى البلاد السورية وأنه قادم في ثمانمائة ألف مقاتل وأنه لا يمر على قرية إلا أخربها فلما صار قريبا من حماة خرج إليه بعض الاعيان بمفاتيح البلد وأرادوا منه الأمان فأمنهم ثم أمر بهدم قلعة حماة ومنذ ذلك الحين ظلت القلعة خرابا ليس فيها إلا بعض البيوت وجدران قائمة وآثار قليلة .

العثمانيون:

وظلت حماة تخرج من حوزة وتدخل في حوزة آخر حتى ملك السلطان سليم الأول العثماني البلاد عام 922هـ فكان ولاة حماة يسومون أهل البلد العذاب والاضطهاد كما هو حال الكثير من البلاد الاسلامية في العهد العثماني . ولم يبق من حماة وباديتها إلا القليل ولهذه ألحقت في [ حمص ] ، في فترة لاحقه تنبهت الحكومة لعمران البلدان ومنها مدينة حماة فتحسنت المدينة وارتبط المأمورون بمركز المملكة فزال ما كان من الضغط وعرف كل إنسان ما له وما عليه فتزايد العمران في حماة وازدهرت مرة ثانية واشتهر الكثير من علمائها وادبائها وكتابها وحكمائها وتطورت صناعاتها وكثر ساكنوها ومبانيها وجوامعها وجعلت مركز اللواء وألحقت بها حمص والعمرانية وسلمية .

حماة 1982 م:

شهدت مدينة حماة بدءا من الثاني من فبراير/شباط 1982 أحداثا دامية حين خرج جمع من أبنائها في مظاهرات ومواجهات ردا على تصرفات عدد من أفراد الأجهزة العسكرية مع نساء المدينة، فهاجمتها القوات العسكرية بجميع أنواع الأسلحة لمدة شهر تقريبا، مما تسبب في مقتل الآلاف وتشريد نحو 100 ألف، ودمر جزء كبير من المدينة خاصة القسم القديم منها.

وقع ذلك الهجوم في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد المتوفى عام 2000.
تراوحت التقديرات بشأن ضحايا الحملة بين 10 آلاف قتيل وفقا للصحفي البريطاني روبرت فيسك (الذي زار حماة بعيد الحملة)، و40 ألفا وفقا للجنة السورية لحقوق الإنسان. ونقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن رفعت الأسد -الذي قاد عملية العسكرية- أن الحملة خلفت 38 ألف قتيل.

الاقتصاد:


مدينة حماة مركز المحافظة، وفيها تتركز جميع المديريات التابعة للوزارات المختلفة، كما تضم بعض المؤسسات الهامة الخدمية، وهي المآل لكل أبناء المحافظة لتسيير أمورهم الإدارية، ويتبع المدينة (مركز المحافظة) ثلاث نواح مباشرة هي حربنفسة وصوران والحمراء، ويتبعها عموماً نحو 62قرية و75مزرعة.

ومدينة حماة سوق تجاري رئيسي للمنتجات الزراعية والحيوانية، وخاصة أسواق حي الحاضر التي تؤلف المحطة الرئيسة للبدو لتسويق منتجاتهم الحيوانية، ولبيع حيواناتهم في السوق المعروف بسوق الغنم، كما أن هذه الأسواق تؤلف الواجهة الأولى لريف حماة الشمالي، يضاف إلى ذلك سوق الهال الكبير في منطقة السوق الذي تصب فيه المنتجات الزراعية، ليتم تسويقها إما عبر تجار المفرق وإما عبر تجار الجملة الذين يسوقون بعضها إلى خارج مدينة حماة، وليست حماة مصدر تسويق فقط لمنتجات البادية والريف، وإنما هي مصدر تسوق رئيس لأبناء البادية وريف حماة الكبير بمراكز مناطقه.

ولمدينة حماة أهمية صناعية، لما فيها من مصانع حديثة تابعة للقطاع العام، تتمثل في شركة البورسلان والأدوات الصحية (معمل البورسلان) في طرف حماة الجنوبي على طريق حمص، والشركة العامة للأصواف (معمل غزل الصوف)، وشركة حماة للخيوط القطنية التي تنتج الغزول الرفيعة، والشركتان تقعان على طريق حمص غربي حي الفداء، والشركة العامة للمنتجات الحديدية والفولاذية التي تضم ثلاثة معامل (معمل القضبان الحديدية ومعمل صهر الخردة ومعمل الأنابيب المعدنية)، ومعمل التبغ في الجزء الغربي من المدينة وينتج التبغ الحموي الممتاز، ومحلجتي حماة للأقطان (محلجة الفداء على طريق مصياف ومحلجة العاصي على طريق حمص)، وشركة زيوت حماة (معمل الزيوت) بالقرب من محلجة الفداء. وفي الطرف الشرقي من مدينة حماة شمال طريق سلمية توجد المنطقة الصناعية التي تحوي مجموعة كبيرة من محلات تصليح السيارات والجرارات الزراعية وغير ذلك. يضاف إلى ما تقدم عدد كبير من مصانع ومعامل القطاع الخاص التي بعضها على هيئة ورشات صغيرة والآخر منشآت كبرى، مثل صناعة الحلويات والمعجنات وصناعة المياه الغازية والمثلجات وصناعة السكاكر، والصناعات النسيجية الصوفية والقطنية والبسط والسجاد والعباءات وسروج الخيل. كما تشتهر بالصناعات الخشبية (النجارة العربية والأثاث المنزلي ونجارة النواعير والصناديق الخشبية وأدوات الحراثة) وكذلك الكثير من الصناعات الهندسية والمعدنية (الحدادة الإفرنجية وخراطة المعادن والحدادة العربية والأثاث المعدني وصناديق السيارات وهياكلها والقاطرات الزراعية والأواني النحاسية) وكذلك العديد من الصناعات الجلدية (دبغ الجلود والأحذية والحقائب) إضافة إلى بعض الصناعات الكيمياوية (الصابون والمنظفات).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *