الأستاذ خضر اللجمي

 المولد و النشأة:

على هضبة عتيقة في حي الباشورة العريق في مدينة حماة، ولد الأستاذ الجليل خضر محمد اللجمي في عام 1925م وتوفي فيها عام 1997م ..

تخرج في جامعة دمشق قسم الشريعة الإسلامية، ودرّس بعدها في ثانويات حماة ومدارسها ..

كان رحمه الله صاحب شخصية متميزة يفوح من بين بردتيه عبير إنسانية وعمق رؤية تنم عن بصيرة عالم متقد الذهن لامع الصفاء بليغ الأثر !

نظم خضر الشعر باكراً ، وكان هاجسه وديدنه عبر سني حياته دراسة الفقه وعلوم الشريعة والغوص في علوم اللغة العربية نحواً وصرفاً وبلاغة ..

أسس في بيته مكتبة ضخمة عاش في خمائلها باحثاً ومستنبطاً ومحققاً وشارحاً وناشراً ومرجعاً للسائلين من العامة والخاصة !

كان يغضب من بعض المثقفين والمدرسين إذا لحنوا في لغتهم أثناء حديث يدور معه ويبتسم إذا اخطأ رجل من عامة الناس وسأله أحدهم عن سبب ذلك فقال :

إذا أخطأ العامي فإني أصحح له وأعلمه فأكسب متعلماً جديداً سينبه غيره ويعلمه أيضاً .. أما إذا اخطأ المدرس والمثقف في قواعد اللغة ولحن بألفاظه فإنه يدمر Hمة كاملة بلفظ واحد !!

نظم شعراً جميلاً صافياً غير أنه لم يعر للشعر أهمية كبيرة ؛ ملتفتاً إلى علوم الفقه واللغة حتى ضاع معظم شعره وتناثر هنا وهناك ولم يجمع نتاجه الشعري حتى الاّن !!

عمل الأستاذ خضر باحثاً في أعمق العلوم الفقهية من خلال رسائله التي ألفها لطلبة العلم الشرعي ؛ ومن أهم أعماله كتاب بعنوان :

( الثمرات على الورقات )

وهو في الأصل مخطوط للإمام الجويني 478 هجري من أكابر علماء الشافعية في القرن الخامس الهجري ..

وهو الذي كتب المخطوط في زمانه وجاء بعده الإمام المحلي مؤلف كتاب تفسير الجلالين في عام 791 هجري الذي قال عن نفسه يوماً :

.. (إن ذهني لا يقبل الخطأ ) ..

وأضاف إلى كتاب الثمرات ما أضاف غير أن المخطوطة بقيت على رفوف التراث العربي شبه نائمة وذلك لصعوبة فهمها رغم أنها مصدر هام من مصادر فهم التشريع في الفقه الإسلامي حتى جاء الأستاذ خضر اللجمي وحققها وشرحها وبسطها ونشرها !

الفقه لغة تعني :  الفهم والإدراك والفطنة

وتعني شرعاً :  العلم بالأحكام الشرعية ومعرفة الغاية المنطقية والعلة الكامنة وراء الحكم الشرعي أو الفكرة مع مفهوم اللفظ اللغوي المعبر عنها وهكذا ..

كان أول من اشتغل في علم الفقه الشرعي كعلم يربط الفكرة باللفظ اللغوي ويستنبط منهما الأوامر والنواهي والخبر والنسخ وحكم العلة والقياس هو الإمام الشافعي سنة 150 هجرية، ثم تلاه الإمام الحنفي، ثم جاء المتكلمون وبحثوا في كيفية تطبيق القواعد الفقهية مع العقل!

إذاً كتاب (الثمرات على الورقات) هو مدخل هام لدارسي الفقه وفهم الحكم الشرعي مع اللفظ اللغوي ومحاولة تفسير العلة والحكمة والفائدة الكامنة وراء ذلك فكان بحق من أصعب وأجل العلوم الشرعية التي استحدثت في القرن الثاني الهجري في معرفة أصول القوانين الشرعية وفقه مسائلها علماً وتطبيقاً

فكان كتاب الثمرات كتابا هاما لدارسي الفقه الشرعي ومدخلاً للعالم والمبتدئ قام الأستاذ خضر بتذليل صعوباته وتييسر مقصده وتبسيط مفاهيمه من خلال شرحه بأسلوب عالم  خبير بحقائق الأمور وخفاياها ..

اعتُمد الكتاب في التدريس في معظم المدارس الشرعية وعلى راسها المدارس الشرعية في معرة النعمان وبعض المدارس الشرعية في دمشق خلال فترة تزيد عن ربع قرن، ولم يكتف الأستاذ خضر بذلك

بل بقي طيلة هذه السنوات يعمل منقحاً ورافداً سنوياً لرسائل خاصة بالعلم نفسه ونذر نفسه لهذا العلم  فكان ذلك وحده كفيلاً بعطاء علمي ثر، جم الفوائد !

التزم الأستاذ خضر بيته ومكتبته عالماً وباحثاً لم يصعد فوق منابر الإطلالات ذات الأبواق ! إنما صعد العلم صامتاً مؤثراً ترك وراءه عدداً من الرسائل العلمية المخطوطة المفيدة !

وكم أتمنى ممن يحفظ له شعراً من بعض مقربيه وأصدقائه ومن عاصره أن يتحفونا بشعره لعلنا نجمع له ما ضاع من أشعاره

عاش رحمه الله بصمت وقدم بصمت ورحل صامتاً عالماً فقيهاً لغوياً وشاعراً إنسانياً سامقاً

لأمثال هؤلاء ترفع القبعات وتنحني الهامات إجلالاً واحتراماً ..

رحم الله عالم الفقه الجليل الأستاذ خضر اللجمي وأسكنه الفردوس الأعلى نزلاً .

____________________________________________

كاتب الترجمة: محمد فاضل