الشيخ نورس وجيه الكيلاني
1882م – 1934م
1300هـ – 1353 هـ
مولده و نشأته:
ولد نورس كيلاني في مدينة حماة عام 1882م
نسبه:
السيد نورس بن وجيه بن الشيخ محمد علي بن الشيخ أحمد الكبير بن الشيخ حسين بن الشيخ عمر مفتي ونقيب أشراف حمص وحماة بن الشيخ ياسين مفتي ونقيب أشراف حمص وحماة.
كان رحمه الله تعالى طويل القامة ضخم الهامة مَهيب الطلعة جَهْوَريّ الصوت درس في مدارس إسطنبول وتفقه على الشيخ سعيد النعسان (إمام ومدرس وخطيب جامع النوري) وكان أثيراً هو ووالده عند الشيخ أبي الهدى الصيادي شيخ السلطان عبد الحميد وسلمه السلطان مشيخة المشايخ في دار الخلافة) لذلك وكلْهما ببناء تكيته (التكية الهدائية) بمنطقة المناخ بالحاضر شمال شرقي حماة فباشر يينائها وقام البناء حتى وصل إلى أصل القبة الكبيرة (قبة الحرم)ووضع القالب الخشبي لأجل بنائها عليه وعند ذلك توفيَّ أبو الهدى في سنة 1909م ، فتوقف البناء إلى أن أكمله بعد ذلك الشيخ محمود الشقفة رحمه الله تعالى.
وعند دخول الملك فيصل إلى سورية في سنة 1918م بعد انسحاب الأتراك وانتهاء الحكم العثماني – كان مفتي حماة هو الشيخ بدر الدين الكيلاني بن عبد الجبار بن محمد مكرم بن محمد سعدي الأزهري – وقد تقدمت ترجمتهم – وقد استمرت الفتوى في عائلتهم عشرات السنين.
ولكن الملك فيصل طلب من المفتي بدر الدين أن يتولى رئاسة الحكومة المحلية في حماة بمنشور مؤرخ في 29 ذي الحجة عام 1336ﻫ الموافق عام 1918م ثم عين عضواً بمجلس الشورى بدمشق فتنازل عن وظيفة الإفتاء إلى قريبه السيد نورس الكيلاني المترجَم فقام بها خير قيام وكان في الوقت نفسه رئيساً للجنة دار العلم والتربية التي تأسست بإرشاد الملك فيصل عند دخوله حماة في أواخر سنة 1918م وقامت هذه اللجنة (والتي معظم أعضائها من تلامذة الشيخ سعيد النعسان ويعملون معه وباستشارته) بشراء قصر العظم بحماة عام 1920م من مالكيه بخمسة آلاف ليرة عثمانية ونقلوا إليه مدرسة دار العلم والتربية الابتدائية والثانوية (وكان معظم مدرسيها من تلامذة الشيخ النعسان المذكور) وقد أنفق السيد نورس الكيلاني كثيراً من ماله الخاص في سبيل إنشائها وتجهيزها ورقيها وكانت له صورة وهو بالعمامة واللحية منصوبة على جدار قاعتها (ولا أزال أذكرها).
وفي سنة 1920م عُين المترجَم متصرفاً بمدينة حماة ثم نُقل إلى دمشق وعين وزيراً للداخلية لذلك وجّه وظيفة الإفتاء إلى أستاذه الشيخ سعيد النعسان مفضلاً إياه على أقاربه كلِهم وهكذا خرجت وظيفة الإفتاء من العائلة الكيلانية بعد أن بقيت فيها عشرات السنين وقد بَقِيَت وظيفة الإفتاء للشيخِ سعيد النعسان إلى أن توفي عام 1967م أي بعد 47 عاماً.
وكان المترجَم خدوماً لأمته عامة ولبلده حماة خاصة وأستطاع أن يدفع عنها كثيراً من ظلم الفرنسيين وتعسفهم بحكم مركزه بعد أن فشلت ثورتها في سنة 1925م واستقال بعد ذلك من الوزارة وعاد إلى حماة يخدم أهلها ويدافع عن مصالحهم وحقوقهم أمام الفرنسيين ويرعي مدرسة دار العلم والتربية ويهتم بإدارتها وتمويلها وتقدمها.
وفي سنة 1931م رشح نفسه لانتخابات مجلس النواب وأثناء الانتخابات حدثت فتنة هوجاء في مدينة حماة أدت إلى إلغاء الانتخابات وتأجيل إجرائها إلى موعد آخر وعندما رأى ذلك وأن الانتخابات قد تؤدي إلى فتنة وسفك دماء وأن الذين كان متفقاً معهم على دخولها قد خانوا العهود والمواثيق سحب ترشيحه منها قبل إجرائها وبقي في بلدته يدافع عن مصالحها وحقوق أهلها
وفاته:
وافته المنية في سنة 1934م إثر نوبة قلبية مفاجئة وجرت له جنازة حافلة ودفن في مقبرة العائلة الكيلانية في تربة الشيخ خَلّوف وكان عمره 52 سنة، وخلفّ من الأولاد أربعة: حسن ومحمد فخري وأحمد رياض ولؤي وثلاثاً من الإناث: بهيرة وفاطمة وأم النور رحمه الله تعالى.
وقد رثاه كثير من الأدباء والشعراء منهم الشيخ طاهر النعسان شقيق الشيخ سعيد النعسان وتلميذه الذي كان لا يفارق مجلسه في غرفته في الزاوية الكيلانية التي كانت تواجه الجامع النوري وبفصله عنها النهر وعليه النواعير الدائرة وهي: الجعبرية و الصاهونية و الكيلانية (ناعورة الباز) والمطلة على بستان الصاهونية ومن ورائها قصر العظم بقبته السامقة.
وعندما سيق الشيخ طاهر إلى الجندية في الحرب العالمية الأولى وأصابه المرض ودخل المستشفى العسكري في عالية بلبنان تذكر مجالس الأنس في غرفة صديقه نورس الكيلاني وعلى مصيف الزاوية الكيلانية ومن تحتهم نهر العاصي يجري ويصفق وبجانبهم النواعير تبث أشواقها وتحن إلى مرابعها وأمامهم الطيور على أشجار بستان الصاهونية تغني ألحانها فأرسل إلى صديقه نورس الكيلاني قصيدته البائية كتب في مقدمتها أنه أرسلها إلى أبي الحسن السيد نورس الكيلاني في 9 محرم عام 1336ﻫ الموافق 25 تشرين الأول عام 1918م نظمها وهو على سرير المستشفى العسكري في عاليه بلبنان والتي مطلعها:
على هاطلات السحب دمعي لقد أربى
ومن كان مثلي عاش مابين أهله
وكم بتّ في لبنان يا قوم ساهداً
تذكرت ذاك الجسر والجيرة الأُلى
وما أنس لا أنسى هنالك نورساً
غداة ذكرت الأهل والجسر والصحبا
قريراً فأجدر أن يكون بهم صّبا
أقول لصحبي آهٍ ما أطول الحربا
بنوا من صريح المجد ما أعجز الحقبا
ومنزله الأسمى وقد سامتَ الشُّهبا
وكتب في الحاشية: نورس بن السيد وجيه تتلمذ على أخي الشقيق الشيخ سعيد النعسان ومنزله قصره ومضافته في غربي الزاوية الكيلانية ذو مناظر لطيفة بالقرب من الناعورة من فِنَاء القصر يمكنك أن تمد يدك إلى الناعورة وتلمسها ثم قال:
ورحت بجيش الصفو أطردها وثبا
نواعيره تبدو منضدة خشبا
فكم بِفناء القصر أفنيت غمتي
وفي الصدر أمحو من عنا الصدر إذ به
ثم ذكر من خدماته له ولغيره من أهل البلد وقال:
وما أنس في دار الحكومة حادثي
وقد شد أزري مسرعاً يكبت الحبا
فتى كرمت أخلاقه طاب محتدا
على العزم والإقدام ما بيننا شباً
وهي قصيدة طويلة وجيدة
وعندما أصبح المترجَم متصرفاً في حماة عام 1920م أزال المنكرات وقمع المعاصي وضرب على أيدي المستهترين بأحكام الشرع لذلك مدحه العلامة الشيخ محمد علي المراد الأول المتوفى عام 1343ﻫ الموافق عام 1924م فقال أبياتاً في أن عدم إنكار المنكر سبب لكثير من البلاء وأثنى فيها على المترجَم بقمعه المعاصي ومنها (التاترو) وقال:
إن رمت نيل المجد فامنع منكراً
إن التقاعد عنه عنوان على
فغلاء أسعار وسوء تعامل
قل للذي جهل العواقب إنه
شؤم المعاصي ظاهر ومشاهد
ويخال أن بها التمدن والرقِيْ
ما خاب من أمسى يحاول منكراً
وانتحب يابلبل الروض معي
نعم متعت منه مسمعي
وحسام كان فينا منتضي
ففقدنا حينما عنا مضى
فيه تقدم أهله لن ينكرا
شؤم انحطاط الشعب حقاً لا مرا
من ترك نهي عما أنكرا
قد أشْرِبَ السم النقيع ومادرى
ولذاك صاحبها مهان مزدرى
شتان ما بين الثريا والثرى
بإزالة ولنعم ذلك متجَرا
فلقد ودع وضّاح الجبين
ثم بدلت به طول الحنين
تدفع الخطب به أما إن ما إدلهمْ
ورمانا بالأسى الفرد العلم
ورثاه الأستاذ بدر الدين الحامد المتوفى عام 1381ﻫ الموافق عام 1961م بقصيدة عصماء مطلعها:
نعم عاد الهتاف بكم نواحاً
وأصبحت المنازل مقفرات
عزيزٌ يا أبا الحسن المفدَّى
كرمت وطاب محتدك اتصالا
فمال إلى البتول جدود صدق
نعوك فقلت في حذر ورفق
وناء القلب بالبلوى فباحا
تضج عليك حزناً وانتياحا
مواراة الثرى البدر اللياحا
بمن أرجو به الفوز امتداحا
عبير ثنائهم في الدهر فاحا
أبو حسن؟ فقيل هوى وطاحا
قلت (المؤلف) وللأستاذ محمد بن أسعد بك العظم المتوفى عام 1357ﻫ الموافق 1939م وقد شطّر بيت أبي العلاء المعري من الذم إلى المدح لنورس الكيلاني قال:
(قالوا فلان جيد فأجبتهم)
عَلَمَ الأعاظم والسَّراة فبعده
من دون نورس ليس يوجد أمجد
(لا تكذبوا مافي البرية جيد)
ذكر ذلك أدهم الجندي في ترجمته لمحمد المذكور ثم كتب: وكان يعني بذلك المرحوم نورس الكيلاني وشمائله الغر التي هي أكثر من أن تعد ثم كتب ناقل الترجمة وهو معتصم مؤيد العظم وقال: وإني أضم صوتي هنا لصوت الأديب أدهم الجندي فأؤيد ما قاله عنه بل وأضيف إلى ذلك أن المرحوم نورس كان مفخَرة حماة رحمه الله تعالى.
________________________________________________________________
كاتب الترجمة: نقلاً عن كتاب مشاهير و علماء حماة – عبد المجيد محمد منير الشققي