الشيخ الفقيه محمد أديب كلكل

مولده و نشأته:

فضيلة الشيخ محمد أديب بن علي بن محمد ديب كلكل، ولد في الثاني عشر من شهر أيلول عام 1934، في مدينة حماة، في حي الشرقية، في منطقة الحاضر. وفي نسب أسرته قولان: الأول: وهو ما حدثته به والدته – رحمها الله – أنهم ينتسبون إلى البيت النبوي الشريف، وأن هذا النسب كان عند أحد أعمام والده – رحمهما الله تعالى. وقد فُقِدَ من عنده. والثاني: أنهم من عشيرة الموالي، لأن بني كلكل عشيرة من عشائر الموالي. وقد توفي والده وكان عمره أربع سنوات فقط، وهو الابن الوحيد الذي بقي حيا من أخوته الذين ولدوا قبله وتوفوا جميعا ذكورا وإناثا. وحين كانت أم الشيخ حبلى بالشيخ رأت في المنام شيخاً لا تعرفه قال لها: إنك ستلدين ذكراً وسوف يعيش ويحيا، فاطمأنت لهذه الرؤيا واستبشرت خيراً، ثم تمت الولادة ففرحت به فرحاً عظيماً، وأيقنت بصدق الرؤيا، فغمرتها السعادة بمولده.

الأستاذ الشيخ الفقيه المربي الرباني العالم محمد أديب كلكل رحمه الله:

 اسمه المشتهر به:

حين أرادت أمه أن تسجله في دائرة السجل المدني المسمى «بالنفوس» – وكان أبوه مسافراً – وكّلت امرأة من جيرانها لتقوم بذلك فسمّته تلك المرأة عبد الرزاق، ولم تخبر والدته بذلك، مع أن أمه – رحمها الله – أطلقت عليه اسم محمد أديب – وهو اسم جده واسم أخ له قد توفي – ولم تعلم أمه أن اسمه في السجل المدني صار عبد الرزاق، فبقي اسم محمد أديب مشهوراً، واسم عبد الرزاق منسياً مطوياً حتى وقت تسجيله في الصف الأول الابتدائي علمت حينئذ أن اسمه في النفوس هو عبد الرزاق، لكن محمد أديب هو الذي انتشر واشتهر به.

نشأته:

لم تك تعلم والدته أن هناك رحلة صعبة مع هذا المولود الجديد تنتظرها، فها هو والده – توفي وعمر الشيخ أربع سنوات فقط، فكفلته أمه ترعاه وتحنو عليه، جاهدة أن تعوّضه حنان أبيه وعطفه، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى دفعت به إلى الشيخة (زهرة) زوجة الشيخ (عبد الرؤوف العبيسي) من أجل تعلّم القرآن الكريم كما هي العادة في ذلك الزمان، وبقي عند الشيخة زهرة حتى ختم القرآن كاملاً حفظاً من القرآن، ثم نقلته إلى المدرسة المحمدية الشرعية المقامة على سطح الجامع الشرقي فتدرّج فيها حتى انتهى من المرحلة الابتدائية وحصل على شهادتها المسماة «سورتفيكا» ثم التحق بالقسم الإعدادي في المدرسة نفسها، وكانت مدة الدراسة في هذا القسم أربع سنوات، فلم يستطع الاستمرار فيها لضيق العيش، وقلة المورد، فتوقف عن الدراسة ونفسه توّاقة للعلم، لقد نشأ الشيخ يتيماً فقيراً لا يملك من متاع هذه الدنيا سوى ما تركه له والده – رحمه الله – وهو بيت بسيط أكثره من لبن التراب، وكانت أمه – رحمها الله – تعمل بنسج الحصر (حصر القش) في البيت، وتبيع ما تنسجه خلال أسبوع أو أكثر فتعيش مع ولدها بثمنه عيش الكفاف، لم يكن له عم ولا أخ ولا أخت، ولا مساعد يقدم مصروفاً للشيخ لإتمام تعليمه، لذا وضعته والدته عند جار لهم ليعمل نجاراً وعمره حينئذ اثنا عشر عاماً، ثم عمل مصلّحاً للأحذية في العطل الصيفية، لكنه – أيده الله بتوفيقه – خلق ليكون عالماً مبرزاً، كان – حفظه الله – يتألم كثيراً لحاله، الهمة عالية والعزيمة قوية ولكن الفقر كان أقوى، مما أدى إلى صراع نفسي عنيف عانى منه الشيخ كثيراً، ولقد علمت بأنه فكر بالانتحار مرتين، بل أمسك بالشفرة بيده لقطع عرق من عروقه ولكن اللطف الإلهي حفـّه فلم يتم له ما عزم عليه، لأن الله خلقه كما ذكرت ليكون عالماً مبرزاً فهو كما قال الشاعر: غافلٌ والسعــــادةُ احتضنتــــه وهــــو عنهـــا مستوحشٌ نفـّارُ

وكان الشيخ يشعر بميول عجيبة وغريبة نحو دراسة العلوم الشرعية، فعرض الأمر على الشيخ #محمود الشقفة #- رحمه الله – وشكا إليه حاله، طالباً منه أن يرعاه، وأن يتولاه تربية وتدريساً، فوعده الشيخ بذلك، بشرط أن يعمل عنده في المحمدية الشرعية، في القسم الابتدائي معلماً فيها لقاء أجر زهيد، فرضي به ليسد رمقه ويدفع به فقره، وكم كان يتمنى في هذه المرحلة أن يدرّسه الشيخ محمود دروساً شرعية، ويكتشف فيه القدرات العقلية العالية ليقوم بتوجيهه وإرشاده، وبقي متابعاً للشيخ محمود حتى قرأ عليه بعدئذ عدداً من الكتب كما سيأتي. والمهم أن الشيخ بقي يدرّس في المدرسة المحمدية في القسم الابتدائي ثم الإعدادي مدة اثنتي عشرة سنة، مرّ فيها بمحن كثيرة كادت أن تغيّر مجرى حياته، لكن إرادته الصلبة، وشكيمته القوية، وهمته العالية، وعناية الله التي تحوطه جعلته أقوى من هذه المحن، فبقي شغوفاً بالعلم مشغولاً بتحصيله، حتى أبرزه الله تعالى. لقد كان الشيخ في سني تدريسه في المحمدية أستاذا مربيا ومعلما ناجحا وحريصا مما جعل أولياء الأمور يقبلون على المدرسة لأجله، وكان ذلك أيضا سببا لوشاية الحساد عليه حتى فصل من التدريس فيها فاقترح عليه الأولياء افتتاح مدرسة خاصة في الصيف لأولادهم فاستأجر لذلك دارا لذلك.

 منهجه في الحياة:

لقد كان الشيخ عفيف النفس عزيزا، صبورا شاكرا لله تعالى، فكان يعتمد على نفسه في المعيشة متوكلاً على الله تعالى فتدرج في عديد من الأعمال ذات الصلة بالتجارة، وابتعد عن الوظائف الحكومية وجعل الشيخ ذلك جزأ من منهج حياته وهو دائم التكرار أنه – والحمد لله – قد سلك الطريق الصعب في هذه الحياة، قال: لو أردت بيع نفسي بعرض من الدنيا لبعتها منذ زمن بعيد، ولما رضيت بالقلة وشظف العيش وضيقه، لقد عرضت علي وظائف كثيرة، ولكنها مشروطة ومقيدة فرفضتها ودستها حفاظاً على العزة والكرامة، ووفاء بما عاهدت الله عليه، وإن مع العسر يسراً) لقد عرض على الشيخ أعمال ووظائف حكومية وبإغراءات لكنه رفضها جميعا وآخرها منصب الإفتاء لمحافظة حماة لما عرف عنه من الرسوخ في العلم والتقوى في الفتوى ومحبة الناس له وثقتها فيه، لكنه رفضها أيضا. ومن أهم ما يذكر للشيخ صبره على الابتلاءات والعواصف التي هاجت على المدينة وبقاؤه فيها، فرغم العواصف الهوجاء التي نزلت بساحة حماة حيث هرع الناس للخارج طلباً للمال، وحباً في الحصول على الثروة المالية، فقد ثبت الشيخ ثبوت الجبال الرواسي، وأكد مرات عديدة على لصوقه بهذه البلدة الطيبة، فاكتسب رضا الله ثم المكانة العالية. وفي مذكرة له حفظه الله يصف منهجه في الحياة فيقول: ومن منهجي أنني أتمثل أبيات السيد الجرجاني، وأتصورها قائمة في ذهني، وهي دستور لكل طالب علم:

يقولون لي فيك انقبـــاضٌ وإنمــا

 رأَوا رجلاً عن موقفِ الذل أَحجما

أَرى الناسَ من داناهم هـانَ عندهم

ومـــن أكرمته عزةُ النفس أُكرما

وما كلُّ بــــرقٍ لاح لي يستفــــزني

ولا كلُّ مَـنْ لاقيتُ أرضاه منعمـا

وإني إذا فاتنــــــي الأمـــرُ لم أبتْ

أقلـــــبُ كفـي إثــره متندمــــــا

ولم أقضِ حقَّ العلم إن كــــان كلما

بـــدا طمـــــعٌ صيـرته لي سُلَّمــا

إذا قيل هذا منهلٌ قــلت قــد أَرى

ولكـــن نفسَ الحر تحتملُ الظَّمــا

ولم أبتذلْ في خدمة العلم مهجتـي

لأخدِم من لاقيت لكن لأُخدمــا

أأشقى به غرساً وأجنيــــه ذلـــة

إذن فاتباع الجهلِ كان أحزمــا

ولو أن أهلَ العلم صانـوه صانهم

ولو عظموه في النفوس لَعُظِّما

ولكن أهانوه فهـــانَ فدنســـوا

محياه بالأطماعِ حتى تجهمـا

وكذلك ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى:

أنا إن عشتُ لست أُعدَمُ قوتا

وإن متُّ لست أُعـدَمُ قبرا

همتي همــةُ الملوك ونفسي

نفسُ حر ترى المذلةَ كفرا

ومن منهجي في هذه الحياة الحذر والوقاية من كل ما يريب، سواء على الصعيد الفكري أو الشخصي، لأنه قد كثرت حروف الجر في هذا الزمن، واتخذت لنفسها صوراً وأشكالاً وألواناً زاهية براقة مغرية، فليحذر كل منا أن يكون هو الاسم المجرور. لقد قلّت المعارف، وكثرت النكرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

صفاته :

لله درّه، كريم مع فقره، وعزيز مع يتمه، عالي الهمة، قوي الشكيمة، موفور العزيمة، حاد الطبع إذا رأى منكراً أو مناقشاً جاهلاً متعسفاً، لكنه متواضع مع إخوانه وطلابه، ليّن الجانب، يتجاوز عن السيئات، ويقيل العثرات، ويقابل بالإحسان الإساءات، آثر الخلوة وحب العزلة وقلة المخالطة، حتى عُرف بين الناس بذلك، عرفه أهل حيّه منذ صغره صدوقاً عفيفاً تقياً نقياً، وأدركه الناس الآن عالماً عاملاً زاهداً ورعاً، فهو مستودع أسرارهم، وحلاّل مشاكلهم، مفتي البلدة بلا منازع، عزّ نظيره، وقل ّمثيله، وما ذاك إلا لأخلاقه الفاضلة وشيَمه الكريمة، وطبائعه اللطيفة، فأكرمْ به من رجل جبلت القلوب الصافية على حبّه، واتفق العلماء الأثبات المحققون على علمه، فهو من حسنات مدينة أبي الفداء، ومن فلتات علمائها الأجلاء، هيّأه الله لتلك المرحلة التي عزّ فيها العلماء، وندر فيها الشيوخ . واسع الصدر متقبلاً للنقد، بل صابراً متحملاً لكثير من التصرفات الرعناء التي كانت تظهر من بعض الشباب المتعصبين لبعض الجماعات. وكان في علاقته بطلابه متواضعاً جداً، يرفض أن نقبّل يده، لكنه يشجّع على تقبيل أيدي العلماء العاملين، وكان يكنّي معظم تلامذته صغاراً وكباراً بكنية أو اسم أحد الصحابة بما يتلاءم وشخصية الأخ وهوايته، ويناديهم بالكنية من باب التكريم، وكان يبتسم ويبش عند استقبال أي واحد من طلابه، وقد ساعد كثيراً من طلابه الذين ضاقت بهم – أحياناً – السبل، ويشبع حاجتهم، ولم يكن يرضى لأي واحد من طلابه أو معارفه أن يمدّ يده إلى أحد، وتميّز بالخط الجميل البديع فكان يُدخل السرور على نفوس طلابه بكتابة أسمائهم بخط جميل على دفاترهم، ومن أخلاقه أعزه الله التواضع الفطري، وأقصد به غير المتكلف، فلم يكن يرى نفسه أكبر شأناً من أحد، ولا يرضى لنفسه أن يضعها في مصاف العلماء مع أنه أهل لذلك، بل يغضب إن أحد أثنى عليه بالعلم، مع أنه امتاز فيه، ويسمع لطلاب العلم ويبادلهم الحديث في الشؤون العلمية وأحوال الأمة مهما كان سنهم».

تكوينه العلمي:

مر أن الشيخ حفظه الله حفظ القرآن على الشيخة زهرة وعمره أربع سنوات مما يدل على ذكائه وحافظته، وكان حفظه متقنا مجودا ثم ألزمته أمه بإكمال الدراسة في المدرسة المحمدية الشرعية، ولم يكتف بذلك بل كان مثابرا على حضور مجالس العلم المنتشرة آنذاك في مدينة حماة من أمثال الشيخ محمود الشقفة والشيخ عرابي عدي والشيخ أحمد سليم المراد رحمهم الله تعالى وغيرهم من شيوخ البلدة الذين كانوا يعمرون مساجدها بالدروس الشرعية واللغوية المتنوعة، فحصّل الشيخ من ذلك كله ثروة علمية غنية – وهو بعدُ صغيرا – ما لبث أن ظهرت آثارها حين كان يقف بعد أداء بعض الصلوات ليعظ الناس أو ينبه على غلط شرعي. إضافة لنهمه بالقراءة حتى كان يستدين المال لشراء كتاب ليقرأه .لقد سار الشيخ على هذا المنهج في القراءة والتحصيل وحضور المجالس العلمية حتى اكتملت عنده أدوات البحث العلمي، وأسبابه وتوضحت أمامه سبل المعرفة، فما إن بلغ عشرين عاماً حتى عقد دروساً( ) وصار له طلاب، وبدأت ينابيع علمه تفيض وتسقي، وانتشر أمره بين طلاب العلم وعلماء البلدة، وهو في طلبه العلوم الشرعية واللغوية لم يغفل عن تزكية النفس وتهذيبها، والعناية بالجانب الروحي.

شيوخــــه:

تعددت مناهل المعرفة عند الشيخ وتنوعت مصادر علومه، ومن أبرز العلماء الذين نهل منهم العلوم وجلس في دروسهم العلمية: 1 ـ الشيخ توفيق الصباغ الشيرازي رحمه الله حضر الشيخ له دروساً في جامع الدرابزون في الحاضر بعد عصر كل ثلاثاء، وفي جامع المدفن صباح كل يوم، قرأ عليه منهاج الإمام النووي رحمه الله تعالى.

2 ـ الشيخ عرابي بن خالد عدي المتوفى سنة 1955م في حماة – أسكنه الله فسيح جناته – حضر الشيخ أديب عنده دروساً فقهية في جامع البحصة، وكان حانوته في الحاضر محكمة شرعية يفصل فيها بالخصومات ويجيب عن المسائل التي ترد عليه( ).

3 ـ الشيخ زاكي الدندشي – أسبغ الله عليه ألطافه ورحماته – فقيه الحنفية في مدينة حماة، حضر له دروساً خاصة صباح كل يوم في جامع السلطان، قرأ عليه فيها الهدية العلائية، وحاشية ابن عابدين، وحضر دروسه أيضاً في جامع الحميدية وجامع المهنا.

4 ـ الشيخ محمود الأحمد الشقفة – تغمده الله برحماته – وهو المعروف بالشيخ محمود الكبير تمييزاً له عن الشيخ محمود بن عبد الرحمن الشقفة – وهو الصغير – تردد الشيخ إلى حلقاته العلمية في جامع الأفندي في الحاضر.

5 ـ الشيخ أحمد سليم المراد – أسبل الله على قبره شآبيب رحماته – حضر الشيخ دروسه في جامع البحصة بعد عصر كل يوم اثنين.

6 ـ الشيخ عبد الرحمن السبسبي الرفاعي – برّد الله مضجعه وأقرّ عينه – أخذ عنه الشيخ الطريقة الرفاعية.

7 ـ الشيخ محمد منير لطفي – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – ذكره الشيخ بقوله: «ومن شيوخي الشيخ منير لطفي رحمه الله تعالى وكان شيخاً وأستاذاً وأخاً، وكانت علاقتي به علاقة مودة وإخاء، وقد عاهدني على أن الذي يسبق الآخر إلى دار الآخرة يشفع فيه» وقد قدم الشيخ منير رحمه الله مقدمة طيبة نافعة لكتاب صيانة الإيمان من عثرات اللسان، بيّن فيها أنه شجع الشيخ محمد أديب على إنجاز هذا الكتاب المفيد، وكان بين الشيخين زيارات كثيرة يتبادلان فيها أحوال الأمة، وأخبار المجتمع والأحاديث الأخوية.

ولكن كان أكثر الشيوخ أثرا في شخصيته وتكوينه:

-أولا: الشيخ محمود بن عبد الرحمن الشقفة – رحمه الله تعالى برحماته وألطافه – تعلق به الشيخ محمد أديب منذ أوائل الخمسينات حين كان الشيخ محمود مدرساً لمادتي التربية الدينية واللغة العربية في القسم الإعدادي في المدرسة المحمدية، وطلب منه أن يرعاه ويتولى تدريسه ولكن نظرا لظروف الشيخ محمود الشقفة رحمه الله الصحية والخاصة لم يستطع ذلك ولكن الشيخ أديب بقي مواظبا على متابعة دروس الشيخ محمود وحضورها إذ يقول الشيخ أديب في مذكراته: (فحضرت دروس فضيلة الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة رحمه الله وسامحه في جامع الأربعين (وقد عفت آثاره اليوم حيث دخل في توسعة الشارع العام شارع سعيد العاص) يومياً بعد صلاة المغرب، وكان يخصص لكل يوم مادة من مواد التدريس يوماً للفقه، ويوماً للتفسير، ويوماً للحديث، ثم اقتصر على درسين في الأسبوع فقط، مع خطبة الجمعة فيه، وحضرت دروسه في صباح رمضان في الجامع الشرقي، وأحياناً بعد العصر في جامع الأربعين، وحضرته في حاشية الجمل على الجلالين، وشرح الحكم العطائية لابن عباد، وقرأت عليه رياض الصالحين مرتين بحضور جمع من الناس بعد العشاء في الجامع الشرقي، وقرأت عليه قسماً من كفاية الأخيار في الفقه الشافعي، وقطر الندى في اللغة العربية بشرح وتعليق محيي الدين عبد الحميد رحمه الله تعالى) ويبين الشيخ أديب حفظه الله شدة تعلقه بالشيخ محمود وحبه له وتأثره له في مذكراته وعلاقته الروحية به واستمرار دعائه له حتى الآن رحمه الله.

ثانيهم: الشيخ محمد الحامد – بَلَّ الله ثراه بوابل رحماته – العالم المتقن والمجاهد المعروف، صاحب التآليف المفيدة والتصانيف النافعة التي تنم عن علم غزير، ومنهج علمي دقيق، وما تزال آثاره وشمائله واضحة في كثرة مريديه وطلابه في حماة وخارجها، وقد بدت صلة الشيخ محمد أديب به وتلمذته عليه في الصور الآتية: تردد الشيخ محمد أديب على حلقاته العلمية وخطبه المنبرية مدة طويلة، وفي ذلك يقول الشيخ أديب حفظه الله: «ومن شيوخي الشيخ محمد الحامد رحمه الله تعالى عالم حماة الأوحد، ومرشدها المسدد، حضرت له دروساً في جامع السلطان، وخطب الجمعة فيه مدة طويلة، وكذلك في جامع المدفن، وجامع المسعود حتى توفاه الله تعالى عام 1969م في شهر أيار). ولم يقتصر الأمر على الشيخ محمد أديب فقط بل كان يشجع طلابه على حضور دروس الشيخ محمد الحامد -عليه الرحمة والرضوان – وخطب الجمعة، وكانت بين الشيخ أديب حفظه الله والشيخ الحامد رحمه علاقة وطيدة ومتينة كان فيها الشيخ الحامد راعيا للمنهج العلمي لدى الشيخ أديب فكان في مناقشاته العلمية له يسأله عن النصوص الأدلة ويناقشه ويدارسه حتى يتوصل للحقيقة، وفي ذلك يقول الشيخ أديب حفظه الله: وأكد الشيخ محمد أديب على هذه الفائدة فقال: «وقد تأثرت به تأثراً عظيماً من حيث الأسلوب مع التحقيق والمنهج السديد في الوقوف على دقائق المسائل وغوامضها، فقد استفدت من أسلوبه العلمي الذي يعتمد على التمحيص والتحقيق والتدقيق) ومن رعاية الشيخ الحامد لشيخنا الشيخ أديب أنه كان يشجعه على الكتابة والتأليف ويساعده لى الطباعة والنشر، بل كان الشيخ الحامد رحمه الله يرسل بمؤلفات الشيخ أديب إلى أقرانه من العلماء في العالم الإسلامي وفي سوريا لما تحويه من المتانة والسبك العلمي والبحث الدقيق. بل وكان الشيخ العلامة الحامد رحمه الله يحث طلابه على حضور دروس الشيخ أديب وملازمتها وحضور مجالسه في الذكر. لقد كان لهذين الشيخين أثرا كبيرا في التكوين الروحي والعلمي للشيخ أديب حفظه الله وأمتع به، حتى ليكاد ذكرهما دائما على لسانه في الثناء عليهما. – وثمة شيوخ كانت للشيخ صلات قوية بهم ومراسلات علمية وكان يذكرهم شيخنا الشيخ أديب ويصفهم بـ (شيوخي) وهم:

1 ـ الشيخ رشيد الراشد التاذفي الحلبي رحمه الله تعالى: قال الشيخ عنه: «تلقيت الطريقة النقشبندية عن الشيخ رشيد الراشد التاذفي الحلبي عن الشيخ عيسى البيانوني رحمه الله تعالى عن الشيخ أبي النصر خلف الحمصي رحمه الله تعالى.

2 ـ الشيخ عبد الغني حمّادة رحمه الله تعالى: ذكره الشيخ بقوله: «ومن شيوخي الشيخ عبد الغني حمادة وكانت بيني وبينه علاقة قوية، وقد زارني مرات في بيتي، وتبادلنا أطراف الحديث وبعض النواحي العلمية( )، وسيمرّ معنا في فصل ثناء العلماء على الشيخ أن فضيلة الشيخ محمد أديب أهداه كتابيه الحج والعمرة وبداية السول في تفضيل الرسول المعظم صلى الله عليه وسلم، فأثنى على الشيخ محمد أديب في رسالة أرسلها إليه ومما قاله فيها: «يا أخي لقد كنت في العلم هلالاً فأصبحت في هذا الكتاب بدراً.

3 ـ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: وقد كان بينه وبين الشيخ محمد أديب مراسلات( )، لعل أهمها تلك الرسالة التي تتصل بكتاب تنبيه الفكر.+ 4 ـ الشيخ عيسى الخطيب رحمه الله: من قرية إعزاز القريبة من مدينة حلب، وقد أرسل له الشيخ محمد أديب نسخة من كتابه تنبيه الفكر، فرد عليه برسالة ماتعة يمدح فيها المؤلـِّف والمؤلـََّف

5 ـ الشيخ أحمد صالح الشامي رحمه الله مفتي دوما، وكان الشيخ محمد أديب قد أرسل له سؤالاً حول الأوراق النقدية أهي عروض أم نقود؟ فأجابه برسالة مضمونها تأييده لفتوى الشيخ محمد أديب حفظه الله.

6 ـ الشيخ أسعد العبجي مفتي الشافعية بحلب كاتبه الشيخ حول الأوراق النقدية فأكد له بما أفتى به الشيخ محمد أديب حفظه الله

7 ـ الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي العالم المشهور المعروف كاتبه الشيخ أيضاً حول الأوراق النقدية فأكد له أيضاً بما أفتى به.

8 ـ الشيخ عارف جويجاتي إمام جامع الروضة في دمشق كاتبه الشيخ حول الأوراق النقدية فأكد له أيضاً فتواه.

9 ـ الشيخ صالح العقاد شيخ الشافعية في دمشق.

10 – الشيخ العالامة المجاهد حسن حبنكة الميداني رحمه الله.

ملكته العلمية:

وهذه شرحها يطول لما يمتلكه الشيخ من سعة المعرفة فيشتى أنواع العلوم الشرعية والعربية والكونية، وقد مر أنه كان نهم القراءة موسوعي الاطلاع وإليك هذا النص من مذكرته يبين فيها قراءته في العلوم الشرعية فقط فيقول حفظه الله: (وقد قرأت أكثر كتب الفقه الشافعي المعروفة مثل الأم للشافعي والوسيط والوجيز للغزالي والمجموع للنووي وشروح المنهاج مثل مغني المحتاج للخطيب الشربيني والسراج الوهاج للغمراوي وحاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج للمحلي وحاشية الباجوري والإقناع وحاشيته للبجيرمي عليه والروضة للإمام النووي رحمه الله تعالى وغير ذلك.

وقرأت في الفقه الحنفي الهدية العلائية وكتبت عليها تعليقات مفيدة، وحاشية ابن عابدين، والمبسوط للسرخسي ويقع في خمسة عشر مجلداً، ومراقي الفلاح، وحاشية الطحطاوي وغير ذلك من كتب السادة الحنفية. وقرأت من كتب الحنابلة الإقناع في أربعة مجلدات، والمغني لابن قدامة المقدسي ويقع في اثني عشر مجلداً، والعدة بشرح العمدة، وشرح دليل الطالب المسمى نيل المآرب، والفقه الحنبلي الميسر في أربعة مجلدات للزحيلي. وقرأت من كتب المالكية المدونة الكبرى للإمام مالك وتقع في ستة مجلدات، والشرح الكبير، وحاشية الدسوقي عليه في أربعة مجلدات، والقوانين الفقهية لابن جُزي، وبداية المجتهد لابن رشد، والموافقات والاعتصام للشاطبي، والفقه المالكي الميسر للزحيلي.

وقرأت في الحديث الشريف كتباً عديدة منها صحيح البخاري وبعض أجزاء من شرح القسطلاني عليه، وشرح صحيح مسلم للإمام النووي، وسنن الترمذي، وموطأ مالك، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، والترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين للنووي، وطرح التثريب بشرح التقريب، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، وسبل السلام، وكتب أخرى تتعلق في أحاديث الأحكام وعلوم الحديث الشريف مثل مقدمة ابن الصلاح ومنهج النقد في علوم الحديث، وقواعد التحديث للقاسمي.

وقرأت في التفسير الفخر الرازي، والخازن. والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وابن كثير، وظلال القرآن لسيد قطب، وآيات الأحكام للسايس، وأحكام القرآن للشافعي، وأحكام القرآن للجصاص الحنفي، وأحكام القرآن لابن العربي المالكي، وآيات الأحكام للصابوني، ومن علوم القرآن البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، ومناهل العرفان للزرقاني.

وقرأت من كتب العقائد جوهرة التوحيد وحاشيته للباجوري، والسنوسية وحاشيته للباجوري أيضاً عليها، والاقتصاد في الاعتقاد وإلجام العوام وكلاهما للغزالي، وتوضيح العقائد للجزيري، وكبرى اليقينيات الكونية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والعقائد الإسلامية أسسها ومبادئها للدكتور عبد الرحمن حبنكة، وغير ذلك مما كتب قديماً وحديثاً في هذا الشأن.

وقرأت كتباً في الأصول منها المستصفى للغزالي، والإحكام للآمدي، والموافقات للشاطبي، وأصول الفقه للخضري، والتبصرة لأبي إسحاق الشيرازي.

وقرأت كتباً في السيرة النبوية والتاريخ وتراجم الرجال، وكتباً في اللغة، وكثيراً من المجلات العلمية، وما زلت أقرأ كل ما يستجد مما ينمي الملكة العلمية ويدعم الثقافة الفكرية. وقد استطعت والحمد لله أن أكوّن في نفسي ملكة علمية، وذخيرة حيّة لا بأس بها حيث أنارت لي السبيل، وكشفت لي عن غوامض الأمور، وأقامتني على المحجة البيضاء الواضحة من عقيدة صحيحة تتمثل في عقيدة أهل السنة والجماعة من سلف وخلف، وعبادة حية مبنية على أسس متينة من المعرفة بمناهجها وقضاياها، وسلوك طيب حسن إن شاء الله منبثق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف رضوان الله عليهم…)

مؤلفات الشيخ:

تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: مؤلفات تناول فيها موضوعات مخصوصة في فنون متنوعة وهي:

1 ـ تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر.

2 ـ الفقه المبسط في ثلاثة أجزاء.

3 ـ الأضحية والعقيقة وأحكام التذكية.

4 ـ إتحاف السائل بما ورد من المسائل في ثلاثة أجزاء.

5 ـ حكم الإسلام في النظر والعورة.

6 ـ الحج والعمرة.

7 ـ صيانة الإيمان من عثرات اللسان.

8 ـ قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9 ـ منتخب النفائس لأبناء المدارس.

10 ـ تطبيب المرأة وثمن علاجها.

11 ـ اعدلوا بين أولادكم.

12 ـ الأنيس في الوحدة وهو موسوعة معارف ضمنه اختياراته من قراءاته المتنوعة، يقع الكتاب في مجلدين.

القسم الثاني: مؤلفات ورسائل حققها الشيخ ونشرها بعد خدمتها بدراستها وهي:

1 ـ السهام الصائبة لأصحاب الدعاوى الكاذبة في الرد على مدعي الاجتهاد للشيخ يوسف النبهاني.

2 ـ حسن الشرعة في مشروعية صلاة الظهر إذا تعددت الجمعة للشيخ يوسف النبهاني.

3 ـ بداية السول في تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم للعز بن عبد السلام.

4 ـ لفتة الكبد إلى نصيحة الولد لابن الجوزي.

5 ـ رسالة أيها الولد والقواعد العشر للغزالي (ضمن كتاب واحد).

6 ـ الأدب في الدين والرسالة الوعظية ورسالة الطير (ضمن كتاب واحد)

تلامذة الشيخ:

لقد كان للشيخ دور تعليمي كبير سواء في المدرسة المحمدية الشرعية أو في مساجد حماة ثم أخيرا في مكتبه الذي التزمه إلى الآن يفتي ويعلم الناس ويدارس طلاب العلم في أهم مسائله، إضافة لكتبه التي نشرها وإفاداته العلمية، ولذلك فطلابه كثر والحمد لله، ولكن سبق أن ذكرنا بأن الشيخ كانت له دار خاصة استأجرها ليعلم فيها طلابه وفق منهج علمي رسمه هو اختار لهم كتبا ودرجهم في التعليم فيها، وقد ثابر عنده على هذه الدروس مجموعة من الأفاضل تنوعت اهتماماتهم فيما بعد لكن يكتب لهم أنهم ما زالوا على صلة بالشيخ، ومن طلابه وتلامذته المختصين به طلاب علم تدرجوا في التعليم الشرعي ورعاهم الشيخ وما يزال يتابعهم حتى مراحلهم المتقدمة في الدراسات العلمية كالماجستير والدكتوراه ومن أهم تلامذته حفظه الله:

1 ـ الأستاذ الفاضل غالب المصري: (ماجستير في اللغة الإنكليزية من جامعة البنجاب) أستاذ اللغة الإنجليزية في مدارس حماة، ومدرسا المادة لعربية والفقه والرياضيات، فضلاً عن اللغة الإنجليزية، لقد كان بحق موسوعة علمية، صاحب ذكاء واضح، شاعر مطبوع مجيد، وناثر أريب، وكاتب مفنن ولع العديد من المؤلفات باللغة الإنكليزية والعربية في العقيدة والفقه والتعريف بالإسلام.

2 – الأستاذ الدكتور الفاضل رياض حسن الخوام برفيسور في اللغة العربية وعلومها، أستاذ جامعي معروف في جامعة أم القرى وله الكثير من المؤلفات العلمية الرصينة والكتابات والمشاركات الماتعة، عداك عن أبحاثه العلمية المحكمة، وقد أشرف على عشرات الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه وسرد أعماله تطول، وهو ممن تتلمذ على الشيخ قديما في الدار الخاصة وله حظوة ومحبة لدى الشيخ.

3 ـ الدكتور الفاضل مرهف بن عبد الجبار سقا: أخ فاضل، نشأ في طاعة الله، وترعرع محباً للعلم وأهله، عرفه أهل البلدة مدرساً لمادة التربية الإسلامية، وخطيباً في جامع الشيخ محمد الحامد رحمه الله، ثم الأحدب، ومدرساً لعلوم القرآن والحديث في التكية الهدائية، ثم في جامعات المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات في التفسير والإعجاز العلمي في القرآن والفقه وغيرها وعشرات المقالات العلمية وله حظوة عند الشيخ .

4 – الأستاذ الفاضل عماد مفيد زغرات ـ حفظه الله ـ: من الطلاب الذين لازموا الشيخ فأفادوا منه سلوكا وعملاً وعلماً، حتى وفقه الله الآن إلى إعداد رسالة الماجستير في الفقه المقارن، كما أن الشيخ كان يعتني به ويتابعه.

5 ـ الأخ الفاضل الحاج ممدوح طهماز – حفظه الله – من تجار منطقة الحاضر المشهورين، وواحد من أكثر المحبين للشيخ، المخلصين له، له وقفات مع شيخه في كثير من أزماته، وصل إلى الغاية في الإخلاص والوفاء.

6 ـ الأخ الأستاذ عوض القناني: أستاذ في اللغة الإنجليزية، طيب القلب، نقي السريرة، من طلاب الشيخ القدماء، اشتغل بالتدريس في مدارس حماة، ثم سافر إلى الكويت ولا يزال يعمل هناك وفقه الله.

7 ـ الأخ عبد الله كرزون: من الإخوة الأفاضل الذين اتصلوا بالشيخ مبكراً فاستفاد الكثير من علوم الشيخ، تميز بالحدة، والجرأة في الحق، والصلابة في الدين، مع أوصاف رضية، وشمائل أحمدية.سلمه الله وبارك به وبأحفاده.

8 ـ الأخ عبد القادر ريس: تاجر مشهور، فقيه بارع، أذكره مدرساً للفقه في بعض الأحايين حين غياب الشيخ، أخلاقه فاضلة، وأياديه فاضلة، صاحب ظرف ونكتة، محبوب عند إخوانه، مواظب على مجالس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدي التكية والجديد، بارك الله له في رزقه وولده.

10 ـ محمود علي خليفة: أخ كريم، دمث الأخلاق، راجح العقل، تردد إلى دار المشايخ ولازم الشيخ، تخرج مدرساً لمادة الرياضيات من جامعة حلب، يعمل الآن في ميدان التدريس، وفقه الله.

11 – الأخ الفاضل عبد الرحمن العشي رعاه الله: من محبي الشيخ المتفانين في خدمته, من الملازمين له، مدرس في مدارس حماة الابتدائية، وقد أحبه الشيخ كثيراً، وفقه الله وبارك له.

_______________________________________________

المراجع:

كتاب: الشيخ الفقيه محمد أديب كلكل للدكتور رياض الخوام.

مقال: الشيخ محمد أديب كلكل كما عرفته للدكتور مرهف سقا.

مقال تجربتي مع الشيخ للأستاذ غالب المصري .

مذكرات الشيخ عن نفسه.