الشيخ محمد سعدي ياسين الكيلاني
1755م – 1826 م
مولده و نشأته:
الشيخ الأزهري الجليل والفاضل صاحب العلم المنفتح على زمانه وهو ابن الأزهر الذي أخرج كبار العلماء والفقهاء العظام وشيخنا محمد سعدي الأزهر الكيلاني أحد هؤلاء العلماء الأفاضل الذي كان نعمة لأهل بلده حماة والمجتمع كافة .
هو الشيخ محمد سعدي الأزهري بن عمر بن ياسين بن عبد الرزاق الكيلاني بحماه عام / 1755م/، وبها نشأ وجلس في جامع الأزهر وجاور فيه سبع سنين وأكثر وفتح الله عليه وحصل من العلوم العقلية والنقلية ورجع إلى مدينة حماة عام 1787م، وبرع بالتدريس وأفتى وناظر وكان حجة زمانه نقلاً وعلماً وفضلاً وذكاءً وإرشاداً ليأخذ الخرقة من يد أخيه السيد علي مفتي حماة وبسبب مكثه بالجامع الأزهر لقب بالأزهري وكان أجلاء السادات ونبلاء العارفين وجهابذة المرشدين جلس على بساط الإرشاد بعد وفاة أخيه الشيخ علي المذكور وتولى الافتاء بحماه وتخرج بصحبته غير واحد واشتهر صيته في كل مكان وكان كامل الآداب حسن الأخلاق ظريف الشمائل ذا سمعة وبهاء وصمت وحياء لأهل الدين مكرماً لأهل العلم وافر العقل كثير الكرم.
ومن نظمه قوله: نقتطف هذه الأبيات :
قلبي غدا بدمي لكم سمّاحا ويرى القصور فليته ما باحا
هل مهجتي بل جملتي إلاّ بكم ومع القصور يؤمل الإنجاحا
ويؤمل الصبّ المولّع أن يرى وادي العقيق ونوره الوضّاحا
كم يرتجي أن يلتجي لحماكم ويرى فريد نوالكم سيّاحا
ويقبل الأعتاب من حرم غدا أمناً لمن قد حلّه فارتاحا
أكتفي بهذه الأبيات لأنها مؤلفة من سبعة عشر بيتاً .
وله غير ذلك من القصائد الغراء ومن جملة خصائصه كان ينام كل ليلة على وضوء دائماً ويرى حضرة جده صاحب الشفاعة العظمى سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه و سلم في منامه فنسي نفسه ليلة بلا وضوء ونام فرأى الرسول المكرم صلى الله عليه و سلم معرضاً عنه وعاتبه على ذلك فخجل من جده واستيقظ وأنشد هذه القصيدة وهي طويلة ومطلعها :
رسول الله * ما لي مــــن مغيث ولا حامٍ ســــــواك فخذ بيدي
رسول الله * يا بحــــر المكارم ويا ذخري ويا املي ووجدي
رسول الله * قد أمسيت مخطي وها أنا تائب والله ربــــــــي
تداركني برؤياك ســــــــــــرّاً فلســـــــت بعائدٍ يوماً لحزني
إلى أن قال:
فلست بطائق رؤياك مغضب معاذ الله أن ترضى ببعدي
*- كان كثير الجلوس في الجامع النوري في حجرته الكبيرة التي بناها على شاطئ نهر العاصي المشهور بحماة لأجل قراءة الدرس والمطالعة والخلوة والعبادة وله مؤلفات كثيرة منها : ( المنحة الإعطائية في شرح الحكم العطائية ) و ( مولد شريف ) و ( ضم الأزهار ذيل إلى تحفة الأبرار في ذكر ذرية سيدنا الغوث الجيلاني وأحفاده الأخيار )
وله حواش وشروح كثيرة على الكتب الفقهية وله رسالة تشتمل على اختلاج مائة وعشرين عضواً من أعضاء الإنسان وله تغزّلات كثيرة وله أوراد وأحزاب جمّة وامتدحه شعراء عصره من كل قطر بقصائد مطولة منها ما مدحه به الأديب الفاضل الشيخ عثمان البصير المشهور الحموي ومؤرخاً له إيوانه العامر الفاخر بقوله نقتطف منه هذه الأبيات لأنها تعد من الأبيات أربعة عشرة :
كم سروري بكاملين الصفات خيرة الله
نخبة الكائنــــات
من بيت الرسول * إن علينا حبهم عين واجب كالصلاة
ووجوه يستترل الغيث فيها طلقات ســـــــوافر نيّرات
ومدحه بهذه القصيدة الغرّاء بعض الأفاضل : منها
هم بالجميل المســـــــفر لا بالرحيق المسكر
وادخل إلى حرم الصفا وعلى العدول فكبّر
واخلع رداء الفخـــــــر عنك وحلية المتكبرّ
مفتي حماة الشـــام ذي الوجه المنير المبدر
وسافر في ربيع الأول عام /1241هـ 1820م/ إلى بغداد وتلقاه جميع أعيان بغداد وأكابرها وأشرافها وساداتها وعلمائها ومشايخها بالتعظيم والتبجيل والإكرام وأنزله ابن عمه نقيب الأشراف ببغداد السيد محمود القادري في منزله عند جدّه إلى أن عزم على الرجوع لوطنه حماة فدخل مقام جده المبارك للوداع في يوم الخميس من جمادى الثانية في السنة المذكورة فقبضت روحه ودخلوا عليه فوجدوه ساجداً ميّتاً داخل المقام ودفن عند الشبّاك خارج تربة جده وقبره ظاهر يزار مشهور وقد رثاه وأرخ وفاته الأديب الفاضل الشيخ أمين الجندي الحمصي الشاعر الماهر المشهور بهذه القصيدة معزياً بها ولده الكبير السيد محمد نجيب ومطلعها :
قِسييُّ المنايا هل تطيش سهامها وهل حادثات الدهر ينبو حسامها
وقال أخوه السيد علي الكيلاني : كان الأخ السيد محمد أرسل لنا مكتوباً من دمياط بأنه أخذ علينا بولصة عن الأزهر بمائتين وخمسين قرشاً والأزهري طالب عن الدراهم قطناً بمقدار ماله وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وألف فأرسلنا له مطلوبه وزيادة .
من تأليفه منظمة ( أسماء سيدنا الرسول صلى الله عليه و سلم ) أولها
مولاي صلي وسلم مولاي شرّف وكرم
وهي ستة وثمانون بيتاً .
وله شرح الحكم العطائية سماه ( المنحة الإعطائية على الحكم العطائية ) .
ومن تأليفه ( مولد نبوي ) مخطوط في أوله بعد البسملة ( الحمد لله العظيم تفضلاً ونوالا ) .
وله رسالة سماها ( النسخة السحرية على الأسماء الخلوتية ) وكيفية أخذ العهد على المريد وجاء في آخرها ما نصه : حررت في القاهرة عام / 1215 هـ 1794 م/ وهي ( 18 ) ورقة بقطع النصف مخطوطة .
وله تقارير على أكثر كتبه التي قرأها في الأزهر وله أحزاب وأوراد جمة . ومن أثاره بناء الغرفة الكائنة في جامع النوري بحماة المطلة على نهر العاصي من الجهة الشرقية وبنى سقف خلوة الجامع المذكور بالحجارة والكلس ولم تكن قبل ذلك بل كان سقفها من الخشب .
وهنأه محمد بن عبد الحميد كرامي مفتي طرابلس بحجه لقوله : قصيدة مؤلفة من خمسة عشرة بيتاً منها :
هل مثل قدرك في الأنام جليل أم مثل صنعك فائق وجميل
أم مثل نسبَك التي حوت العلا فغدا ملازم كنهها التبجيل
فبهاؤه في حسن وجهك واضح له بالسنا ضوء الصباح مثيل
وسماتك اللاتي سمت وتكاملت تنبي بأنك كامل وفضيل
إلى أن يقول :
لله درك من همام أمجد سامي العزيمة للوفاء خليل
وفاته:
توفي رحمه الله تعالى في مدينة بغداد عام 1826م.
______________________________________________________
كاتب الترجمة: أكرم ميخائيل إسحاق