الشيخ الداعية علي أحمد قطان
مولده ونشأته:
هو العبد الصالح والداعية الناجح أبو أحمد علي بن أحمد بن يوسف قطان الحموي مولداً، الشافعي مذهباً. ولد عام 1342هـ – 1922 م، في مدينة حماه، في بيت فضل وصلاح، تربى فيه على محبة الدين وأهل العلم والصالحين، وكان البيت الذي ولد فيه مجاوراً لجامع المسعود، فكان يسعى إليه حبواً، وإذا فقده أهله التمسوه في المسجد فوجدوه.
توفي أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، فتولى شأنه وشأن أمه وأخته خاله الحاج محمد الأمين الصباغ رحمه الله، المعروف بتقواه وصلاحه، ولضيق ذات اليد اضطر أهله إلى اخراجه من المدرسة بعد أن بلغ الصف الرابع الابتدائي، فعمل أجيراً لدى تجار مدينة حماه، ولما رأى أحدهم منه النجابة والفطنة والأمانة أشركه في تجارته، وكان مازال شاباً لم يبلغ العشرين من العمر. كان خاله يختلف إلى مجالس علماء مدينة حماه، وكان يصطحب معه الشيخ علي، وهو مازال يافعاً، فتشربت روح علي قطان حب الدين وأهل العلم والصالحين، فنشأ على ذلك، واستمر على هذا المنهج في مختلف مراحل حياته، وكان هذا من أكبر الحظوظ التي نالها في دنياه، فأخذ العلم عن خيرة علماء حماة، أمثال ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ سعيد الجابي وتلميذه الشيخ محمد الحامد، أشهر علماه المدينة من بعده، والشيخ عبد الله الحلاق، ناظر المدرسة الشرعية بحماه، والمقرئ الشيخ سعيد عبد العبد الله ، ومفتي مدينة حماة الشيخ صالح النعمان، والشيخ بدر الفتوى، والشيخ عبد الحميد طهماز وغيرهم، عليهم جميعاً رحمة الله تعالى، فتلقى عنهم الشيخ علي مختلف علوم الدين وتخلق بأخلاقهم، ولم يكن يعلم رحمه الله أن هذه الملازمة هي التي ستجعله يوماً من الأيام رمزاً من رموز الدعوة إلى الله، وقد أخذ من أخلاقه الحاج رسلان الخالد والحاج خالد حسون الخنساء وهم من رجال الدعوة وأهل الخير من محافظة حماة وغيرهم كثير في بلاد الشام وفي الكويت.
وسع الله عليه في الرزق والمال في تلك الفترة، فأنفق ما أنفق في سبيل الله، ووسع على نفسه فتزوج أربعاً من النساء وأنجب 22 ولداً: ثمانية من البنين وأربع عشرة من البنات، فصار صاحب عائلة كبيرة بالإضافة إلى رعاية أخته وأبنائها والتي توفي زوجها.
مارس الشيخ علي رحمه الله عمله التجاري متخلقاً بأخلاق الإسلام ومتأدباً بتعاليم الدين، ففتح الله عليه وبارك له فيما أعطاه حتى غدا من أشهر التجار، وبات متجره في السوق الطويل (أحد أسواق حماة) من أشهر المتاجر، وعرفه الناس في تلك الفترة نموذجاً للتاجر المسلم الشهم الصدوق الذي يخرج من متجره إلى المسجد، ومن حلق الأسواق إلى حلق العلماء، فكان مثالاً لحسن المعاملة وطيب المعشر، يغيث الملهوف ويحمل الكلّ ويكرم الضيف، ويكسب العدوم، ويعين على نوائب الدهر، كيف لا وهو التاجر الذي وسع الله عليه في الرزق وتربى في كنف العلماء الصالحين.
وكان ضمن أعمال البر التي أكثر منها، كفالة المدينين والمعسرين، حتى قدر الله عليه الغرم من جراء ذلك، وتعثرت تجارته، وعندها توجه عام 1386 هـ (1966 م) إلى دولة الكويت طلباً للرزق وسعياً على العيال.
وجهه الله أن يعمل إماماً وخطيباً ومعلماً وداعية إلى الله في مسجد المقوع، في طريق المطار، أول مسجد أمّ الناس فيه، ثم إلى مسجد صيهد العوازم في السالمية، فإلى مسجد الشيخ فهد السالم بمنطقة السالمية (1971 – 1973 م)، ثم إلى مسجد ابن سلامة في منطقة الرميثية والذي رعى فيه عدداً من شباب الدعوة في الكويت (1971 – 1981 م)، ثم استقر في مسجد اللهيب بميدان حولي (1981 -2003 م) فصاحب أهل العلم والدعاة إلى الله، فكان لا يتخلف عن مجالس العلم والذكر كمجالس الشيخ حسن أيوب والشيخ حسن طنون، والشيخ عبد الله بن عقيل والشيخ يوسف الرفاعي، والدكتور إبراهيم الرفاعي، والشيخ محمد حرب، رحمهم الله تعالى، وديوانية لجنة زكاة العثمان، ومسجد الدعوة في صبحان وغيرها من المجالس المباركة.
وإلى جائب ذلك انتسب إلى عدد من المعاهد الشرعية في الكويت مدة بلغت 12 عاماً.
فأتم فيها حفظ القرأن كاملاً، وهو صاحب العائلة الكبيرة والأشغال الكثيرة في خدمة الناس ومساعدتهم، والسعي في قضاء حوائجهم، لكن كل ذلك يتلاشى مع همته العالية وإرادته السامية وذكائه الوقّاد ونفسيته الأبيّة.
اشتهر الشيخ علي بالمحافظة على عقد حلقتين يوميتين لتلاوة وتعليم القرآن الكريم، أحدهما من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، والأخرى من بعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب، يحضرهما عدد من المهتمين من موظفين، وطلبة، ورجال أعمال، وتجار، وعمال، وبذلك انتفع من هذه الحلقة العديد من الخلق، وأقام منهم أمثالها في مساجد أخرى، حتى عمت ما يقارب عشرة مساجد في منطقة السالمية وحدها، كما نقلت إلى بلاد أخرى كمصر والأردن وأستراليا، وسميت هنالك باسم حلقة الشيخ علي القطان للقرآن الكريم.
كما كان رحمه الله معروفاً بشدة حبه للسنة والتزامه بها وعدم التفريط بأحكامها مهما كانت الأسباب، فكان يكثر من صوم النافلة ويحافظ على صوم الأيام المسنونة، ومن مناقبه رحمه الله أنه كان كثير التعظيم لشعائر الدين، وكأنه يعيش من أجلها وفي سبيلها.
كان الشيخ علي رحمه الله ذا مروءة قل مثيلها في الناس قاطبة، جعلته لا يرد سائلاً، فكان يمشي في حاجة الرجل وإن كان لا يعرفه، ويسعى على الأرامل والأيتام، ويفك غرم المدينين والمعسرين بماله أولاً، ثم بمن يستجيب له من أهل الخير في الكويت، وهم كثر ولله الحمد، ويقضي يومه كاملاً في قضاء حوائج الناس دون ملل أو كلل، وهو يردد (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته).
جال الشيخ علي في عدد من بلاد المسلمين، فجاب بلاد الشام، وشرفه الله بصلاة في القدس الشريف، وزار مصر ولبنان والأردن، وعدداً من دول الخليج والهند وباكستان وبنغلادش، وكانت أغلب هذه الزيارات في سبيل الله تعالى. وأسس الشيخ علي عدداً من المدارس الإسلامية لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشرعية للأيتام والفقراء في بنغلادش، واستمر داعياً إلى الله في كل مكان نزل فيه بكل همة ونشاط، وتربى على يديه أجيال من الدعاة في الكويت، غرس فيهم العقيدة الصحيحة والسلوك الحسن ومحاربة المنكرات والفساد، ومواجهة الغزو الفكري الذي اجتاح بلاد المسلمين.
مرضه ووفاته:
وفي رجب 1423 هـ (2002 م) اكتشف الأطباء أن الشيخ مريض بمرض عضال فأدخل المستشفى الأميري لإجراء عملية، فمكث فيه إلى منتصف شعبان، ثم خرج متحاملاً، وصام مع الناس، و أحيا العشر الأواخر كذلك، وحضر العيد، ومع انتصاف شهر شوال عاد إلى المستشفى من جديد، فالآلام كانت أشد من أن تحتمل، وهنا ضج الناس وشعروا بقرب منيته، فالتفوا من حوله وتقاطر أحبته عليه، فكان يصبرهم ويواسيهم ويقضي حوائج قاصديه، وهر على سرير موته في المستشفى، إلى أن وافته المنية يوم السبت الثامن من شهر ذي القعدة عام 1423 هـ الموافق 2002/1/11 م ، ففاضت روحه إلى بارئها وحوله ستة من أبنائه وعدد من أحفاده، يتلون القرآن وسورة (يس) التي طالما طلب قراءتها عليه أثناء مرضه شعوراً منه بدنو المنية، وكان دفنه عصر يوم الأحد، فشهدت مقبرة الصليبخات في الكويت جمعاً لم تشهده من قبل، في حق رجل مغترب، وتزاحم الناس في الجنازة حتى بلغ مشيعوه إلى قبره بالآلاف، ومشى في جنازته العلماء والدعاة والأئمة والخطباء وطلاب العلم، والأغنياء والفقراء، والكبار والصغار، وتناقل الناس الخبر فعزى به القاصي والداني من الأقطار، رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته.