شيخ حماة و مرشدها العلّامة المجاهد محمد محمود الحامد

ولادته ونشأته:

ولد الشيخ محمد محمود الحامد في مدينة حماة سنة 1328هـ 1910 م، لأسرة متديّنة فاضلة، ونشأ يتيمًا  فقيرًا، فقد توفي والده وعمره ستة أعوام، ثم ما لبثت أن توفيت والدته في السنة نفسها.

كفله  أخوه الأكبر بدر الدين  البالغ من العمر خمس عشرة سنة حتى أكمل دراسته الابتدائية سنة 1922 م، ثم اشتغل في محل خياطة نهارًا، وتابع طلب العلم الشرعي في المساجد ليلًا.

سيرته العلمية:

  • لم يغفل بدر الدين عن تعليم أخيه محمد حتى في أشد أيام البؤس، فقد أدخله المدرسة الابتدائية ، وهو ما يزال في الفترة التي كان يعيش فيها عند الأسر الفقيرة في أطراف البلد، وأيقظ فيه روح الجد، لما كان يرى فيه من مخايل الذكاء، نال الدرجة الأولى على رفاقه في الصف الأول، وفي السنة الثالثة من دراسته إنفرجت الحياة قليلاً لأخيه بدر الدين من بعد إنسحاب الأتراك من سورية وقيام الحكم الفيصلي فيها، حيث عمل أخوه معلماً ابتدائياً، واستمر الأمر هكذا حتى أنهى محمد مرحلة الدراسة الابتدائية،
  • وتخرج من الصف السادس سنة 1922م، فأدخله أخوه المدرسة الإعدادية، لكن محمداً لم ينسجم مع بيئته الجديدة في المدرسة، وشعر بنفره منها، وبدا عليه التقصير في دروسها، فإن ميله إلى العلم الشرعي والتزامه حلقات بعض الشيوخ في طلبه، وسلوكه الديني الصارم، فأحس أخوه أنه يحمله على الذهاب إليها حملاً، فأخرجه من المدرسة الإعدادية سنة 1923م، ووضعه عند معلم خياطة للملابس العربية ليتعلم عنده مهنة الخياطة، ويتابع معها طلب العلم الشرعي كما يريد فكان محمد يعمل في النهار في الدكان، ويحضر بعد المغرب دروس العلماء في المساجد، وينضم بعد العشاء إلى الحلقات الخاصة لطلب العلم، إلى أن افتتحت في حماة مدرسة دار العلوم الشرعية سنة 1924م، فرغب محمد في دخولها، وكان أخوه بدر الدين في تلك السنة في دمشق يتمم دراسة الصف الأخير من دار المعلمين، فأرسل خاله الشيخ سعيد الجابي يستشيره في إدخاله فيها، فأقر بدر الدين الفكرة، وعلى الفور ترك محمد دكان الخياطة، ودخل المدرسة الشرعية، التي كانت أسعد أيام حياته، فرغم صغر سنة بين أقرانه من طلاب المدرسة كان الأول بينهم. وما كان رحمه الله يهتم لشؤون المعيشة، إنما كان همة في إرواء ظمأه العلمي وإشباع طموحه الفكري، ولم تكن المدرسة الشرعية كافية له بل كان يتردد صباحاً ومساءً على الدروس العلمية الخاصة التي كان يعقدها الشيوخ في المساجد لخواص طلابهم، حتى بلغ عدد الحلقات العلمية التي كن يحضرها تسع حلقات في اليوم، سمعت هذا منه رحمه الله تعالى.
  • تلقى العلوم الشرعيّة على خاله الشيخ سعيد الجابي، والشيخ محمد سعيد النعساني، وتوفيق الصباغ وغيرهم، ثم التحق بدار العلوم الشرعيّة بحماة سنة 1342ه – 1924م. فكان ذا نبوغ لفَتَ أنظار علمائها، حتّى قال فيه الشيخ أحمد الشّماع: “بحرٌ لا تنزحه الدلاء”.
  • ثم توجّه إلى المدرسة الخسرويّة الشرعيّة بحلب سنة 1346ه- 1928م و كان من شيوخه في حلب الأستاذ الشيخ أحمد الزرقا الفقيه الجليل، و الشيخ أحمد الكردي مفتي الحنفية في حلب، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ إبراهيم السلقيني العالم العامل والتقي الورع، والشيخ محمد الناشد، والشيخ راغب الطباخ، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ عبد المعطي، والشيخ فيض الله الأيوبي الكردي المحقق العظيم في علمي التوحيد والمنطق، والشيخ محمد أسعد العبجي مفتي الشافعية في حلب وهو والشيخ عبد الله حماد الباقيان في قيد الحياة من مشايخي، جزاهم الله خير الجزاء وبارك عليهم أحياءً وأمواتاً.
  • أخذ الطريقة النقشبنديّة عن الشيخ أبي النصر سليم خلف الحمصي، وسلك طريقة التصوّف.
  • وفي سنة 1353هـ عاد رحمه الله على مدينة حماة بعد أن أنهى دراسته في حلب، ولم تطل فترة استقراره في حماة، فقد رحل عنها سنة 1356هـ إلى مصر، ملتحقاً بالأزهر الشريف، ونال العالميّة في العلوم الشرعيّة سنة 1362/1942م وتخصّص في القضاء.
  • واتصل خلال إقامته في مصر بحسن البنا، وصحبه وتتلمذ عليه في العمل الحركي الدعوي وكان رفيق رحلته في مصر الشيخ مصطفى السباعي.

 

العودة إلى حماة ( فترة جهاد المحتل الفرنسي )

 

  • في عام 1362هـ / 1942م عاد رحمه الله إلى حماة، ليعيش آخر مراحل حياته. وفي هذه المرحلة أثمرت جهوده، وأينعت ثماره، ومع أنها مرحلة الاستقرار؛ فإنها كانت أكثر مراحل حياته، تعباً ومشقة، فهي مرحلة الجهاد، فلما عاد الشيخ إلى حماة، كانت البلاد في ذروة جهادها الوطني من أجل الحصول على الاستقلال، وهذا أحد الأسباب التي دفعت الشيخ للرجوع إلى بلده. ليضم صوته إلى أصوات المطالبين بالاستقلال، ويذكي بخطبه الحماسية جذوه النضال والجهاد في قلوب الأمة، داعياً إلى الثورة على المستعمرين، وتطهير البلاد منهم، وهو الأمل من عمره الذي كان يراوده منذ رآهم يدخلون البلاد، وكان وقتئذ في العاشرة من عمره، ودعا الله سبحانه وتعالى ببراءة الطفل وصفائه، أن يريه خروجهم من حماة كما شاهد دخولهم، ولقد حقق الله أمنيته هذه، وأقر عينه برؤيتهم يخرجون من نفس الشارع، ومن أقواله ضد الإستعمار ” أيها الإخوان لقد استخفت فرنسا بنا، وخاست بكل العهود، ولم ترع للمواثيق حرمة، لقد طلبت منا آخراً أن نقبل أموراً، فيها ترسيخ أقدامها في هذه البلد واستعباد أهلها، فاغضبوا ثم اغضبوا، وثوروا ثم ثوروا، فما عاد السكون ينفع، وما عاد السكوت يفيد، لقد كان نبيكم صلوات الله عليه وسلامه يرتجز هو وأصحابه قائلين : *

 

إن المشركين قد بغَوا علينا=وإن أرادوا فتنة أبَيْنا أبَيْنا أبَيْنا

وما أجدرنا إعادة ذلك الرجز قائلين :

هذي فرنسا قد بَغَت علينا=وإن أرادتْ فتنةً أبيْنا

أبَيْنا أبَيْنا “

 

ولم ينقطع – رحمه الله تعالى – خطبة المنبرية أيام الجمع في أشد ساعات الخطر، فلقد خطب وطائرات المستعمرين تضرب حماة، وتلقي قنابلها على المساجد؛ ولما وقت مأساة فلسطين، تألم الشيخ كثيراً، ودعا إلى الخروج للجهاد وأراد أن يخرج بنفسه، ولكن كبار العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة الأمة إليه، ولكثرة عدد المجاهدين، ولقد استحوذت قضية فلسطين على اهتمامه، فخصص لها الكثير من خطبه المنبرية، وكتب عنها عدداً من المقالات في الصحف والمجلات، وكان يرى رحمه الله تعالى، أن حالنا مع اليهود لا تحلها إلا القوة، وكان دائم الوصية للشباب، لينضموا إلى الجيش، ويكونوا من ضباطه وجنوده، وفي عام 1956م أثناء الاعتداء الثلاثي على مصر انضم الشيخ إلى صفوف المقاومين الشعبيين، وحمل السلاح بنفسه، وكان يخرج على رأس إحدى المجموعات إلى حقول التدريب .

  • جهَادُهُ الاجتماعي

منذ أن استقلت البلاد، أدرك الشيخ –رحمه الله تعالى –أن الأمة أصبحت على مفترق الطرق، فقد ظهرت فيها دعوات مختلفة الاتجاهات، تدعو إلى الميوعة، والتحلل من التكاليف الدينية، ونشر الفساد في البنية الاجتماعية للأمة؛ وذلك بتشجيع السفور والتبرج، واختلاط الرجال والنساء؛ فضلاً عن أفكار تشكك الناس بعقيدتهم وتدفعهم إلى الإباحية والإلحاد.

ورأى أن واجبه الأول في هذه الحياة، أن يقف في وجه هذه التيارات، وأن يعمل للحفاظ على عقيدة الأمة وذاتيتها المستقلة، وكيانها المتميز، فقام رحمه الله تعالى بهذا الواجب، متحملاً كل متاعبه ومسؤولياته، ومعرضاً نفسه لمخاطر جسيمة .

  • جهَادُهُ التعليمي

المدرسة والمسجد هما الميدانان الرئيسيان لجهاده التعليمي.

أما المدرسة فقد كانت مركز عمله الرئيسي، فمنذ أن عاد من مصر، اختار طريق المدرسة، وفضله على منصب القضاء، لأنه رحمه الله كان حريصاً على نشر العلم، مع أن منصب القضاء كان ميسراً له.

أما المسجد، فقد كان الميدان الثاني لجهادة التعليمي، وكما كانت وسيلة لاتصاله بالطبقة المثقفة في الأمة، كان المسجد وسيلة اتصاله بأفراد الأمة جميعاً، يلتقي بهم كل جمعة في خطب المنبرية التي كان يتناول فيها موضوعات مختلفة. بعضها في العقيدة، وبعضها في عرض مسائل علمية يحتاج إلى معرفتها الناس، ويختار في أكثر خطبه المواضيع ذات الصلة بحياة الأمة.

و لقد كان الشيخ داعية خير، ووئام بين الناس، يكره الفتن، ويحارب الانحراف بلسانه وقلمه، ويحرص على تطبيق الشريعة في جميع شؤون الحياة، وشهد له أعداؤه قبل أصدقائه بالإنصاف، والجرأة، والأمانة، والورع.

ويعود له الفضل في إعادة السلام إلى حماه والمدن السوريّة سنة 1384/1964 عندما اعتصم الشهيد مروان حديد في جامع السلطان، الذي هدم فوق أهله، وسقطت مئذنته، ثم ما تبع ذلك من أحداث، فقام بتهدئة الخواطر على رأس وفد من أهل المدينة وتصدى لموجات الإلحاد التي فشت في الجيل الصاعد، وعمل على رد الشاردين عن الحقيقة إليها، وعمل على تغذية الشاردين بالعلم الواقي، والمعرفة الدارئة، كي تقوى فيهم ملكة المناعة الإيمانيّة، وكان يرى أن الرجوع إلى الإسلام الصحيح هو طريق الخلاص من الانحراف، والاختلاف .

شعره:

كان الشيخ رحمه الله شاعراً موهوباً له شِعْر جيد وأخوه بدر الدين شاعر جيد، كان له شعر جهادي قوي أيام الفرنسيين، واشتهر بقصائده الوطنية:

ومن شعر الشيخ:

                  آهاً على وادي حماة                إذا نسيم الصبح هبّا

                  آها على تلك الربوع                وأهلها بعداً وقرباً

                  النهر يخترق الرياض              وقد جرى حلواً وعذباً

                  دولابه يبكي ويس                  قي الدمع فاكهة وأبّا

                  أَنّى أرى ذاك الحمى               إني رأيت البُعد صعبا

وقال – من قصيدة – عندما خرج من مصر وانتهى من الدراسة النظامية فيها :

                             ذُبت يا مصر مُذ عزمت رحيلاً

                             ولو استطعت عشت فيك طويلاً

وقال أيضاً:

                             ياعين جُودي بدمع منك مدرارِ

                             على زمان مضى والأهل والدارِ

                             أيام أرتع في ظل النعيم ومن

                             طيب حسرة قد قضيت أوطاري

                             فإن ذكرت الحمى حَنّ الفؤاد له

                             إذ في المصائب قد قضيت أسفاري

لكن الشيخ على كثرة أشعاره آثر العلم على الشِعر، وقد كتب في هذا الأمر رسالة إلى بعض تلاميذه يقول فيها:

“يا بني لأَن تكون عالماً فقيهاً خير لك وللأمة من أن تكون شاعراً أديباً، إننا إلى أن يكون منك عالم محقق أَحْوَجُ منا أن ينشأ منك شاعر مغلق… لابأس بقليل منه يُنظم في الأغراض الشريفة والمقاصد الحسنة، أما انصراف الهمة إليه فخسرانٌ أَرْبأُ بك عنه …”.

مرضه ثم وفاته:

  • كان قد مرض الشيخ رحمه الله تعالى بداء السكري و بقي هذا المرض حوالي خمس سنوات حتى تطور المرض الى تشمع الكبد، و كان من أهم أسبابه، تلك الأحداث الخطيرة التي واجهته في حياته؛ سواء منها ما حل ببلدته حماة خاصة، أو ما حلّ بالعالم الإسلامي عامة.
  • و تفاقَمَ مرض الشيخ حتى كان يقيء الدم في نوبات حادة، ولمّا اشتد به المرض ذهب إلى لبنان للعلاج وأُجريت له عملية جراحية ثمّ أُعيد إلى حماة فمكث ثلاثة أيام.
  • فاضت روحه الطاهرة ليلة التاسع عشر من صفر بعد العشاء، وكان ذلك عام 1389هـ الموافق لمساء 5 من أيار 1969م، رحمه الله.
  •  

مؤلفاته:

المطبوع منها

  1. ـ نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام.
  2. ـ ردود على أباطيل. وهو كتاب ضخم، طبع الجزء الأول منه وهو مجموعة رسائل فقهية، بعضها طويل وبعضها متوسط، ومجموعة أسئلة فقهية وأجوبتها.
  3. ـ كتاب في تحريم نكاح المتعة في الإسلام.

والمطبوع من الرسائل:

  1. ـ حكم الإسلام في الغناء.
  2. ـ رحمة الإسلام للنساء.
  3. ـ آدم لم يؤمر باطناً بالأكل من الشجرة.
  4. ـ القول في المسكرات وتحريمها من الناحية الفقهية.
  5. ـ حكم اللحية في الإسلام.
  6. ـ التدارك المعتبر لبعض ما في كتاب القضاء والقدر.
  7. ـ بدعة زيادة التنويرات في المساجد ليالي رمضان وغيرها.
  8. ـ لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية.
  9. ـ حكم مصافحة المرأة الأجنبية.

وأما الذي لم يطبع بعد فهو:

 

  1. ـ القسم الثاني والثالث من كتاب الردود.
  2. ـ تعليقات وحواش على كتاب الهدية العلائية لم يتمه رحمه الله تعالى.
  3. ـ تعليقات وحواش على كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي. لم يتمه أيضاً.

 

كتبوا عنه:

كتب في سيرته الذاتية (العظات والمحامد في سيرة الشيخ محمد الحامد)

وألف في سيرته عبد الحميد طهماز (المحامد من حياة العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد)

وكتب ابنه الشيخ محمود الحامد (الشيخ محمد الحامد ـ حياته وعلمه وجهاده)

وعبد الله الطنطاوي (الإمام المجاهد محمد الحامد)

والدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي: أفرد فصلاً من كتابه (من الفكر والقلب) للحديث عن سيرة الشيخ محمد الحامد وتجربته معه.

______________________________________________

 

  • شيخ المجاهدين الشيخ محمد الحامد

كاتب الترجمة : الشيخ حسن عبد الحميد

– في التاريخ الإسلامي مشايخ كثيرون لايعدون ولايحصون ..

لكن قليلا منهم كانوا عاملين ..

والأقل منهم كانوا متصدين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وكان من هؤلاء شيخ حماة محمد الحامد .

فقيه حماة وشيخها ومرشدها

وأحد أعلام المجاهدين في بلاد الشام ومؤسس أول جمعية إسلامية في سوريا باسم ( الإخوان المسلمين )

قمة الورع والتقى كان يسكن دار أبيه ومعه أخوه الشاعر بدر الدين الحامد يقول صادقا مارأيت زوجته ولا أعرف وجهها .

التحق بالمدرسة الخسروية بحلب 928 ثم يمم وجهه شطر مصر وأزهرها وتخصص في القضاء 42 .

والتقى الإمام حسن البنا وصحبه في مصر وتتلمذ على يديه وأخذ منه صدقه وإخلاصه ودابه وكان رفيق رحلته الشيخ مصطفى السباعي الذي قاد الحركة الاسلامية في سوريا بجدارة واخلاص رحمه الله .

ومع احترامه للشيخ السباعي وحبه نقد كتابه ( اشتراكية الاسلام ) بكتاب أسماه

( نظرات في اشتراكية الاسلام ) مبينا أن لا إشتراكية في الإسلام بل عدالة ورحمة

حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي وكان يخطب في حماة وطائرات العدو الفرنسي تقصفها وتلقي بقنابلها على المساجد.

ولمّا استقلت سوريا رفع بنفسه العلم فوق ثكنات الفرنسيين بعد أن رفع الأذان فيها بنفسه .

أراد مشاركة أخاه السباعي في الجهاد في فلسطين لكن علماء حماة منعوه لأنهم رأوا أن بقاءه داعيا أولى من الذهاب .

حارب الانحراف بلسانه وقلمه وحرص على تطبيق الشريعة في جميع شؤون الحياة وشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالانصاف والجرأة والأمانة والورع .

حاضر في المركز العام للجماعة مرة فذهلت من علم يتدفق ولسان يقذف الدرر .

كان قادما من حلب فصدم سائق سيارته في ظلام الليل كلبا ، وصل الشيخ إلى حماة وأرسل إلى عدد من طلابه أطباء البيطرة اذهبوا إلى مكان كذا عالجوا الكلب وهذه همسة إلى لجان حقوق الحيوان في أوربا ليسمعوا نفحة من نفحات عظمة الإسلام.

عندما اعتصم الشهيد مروان حديد في جامع السلطان الذي هدم فوق أهله وسقطت مئذنته كان على رأس وفد من أهل المدينة إلى رئيس البلاد .

وكذلك الأمر توسط عند الحاكم من أجل الداعية الشيخ سعيد حوى ورفاقه فخرجوا مرفوعي الرأس وأقيم للمجاهد منظر الجماعة صاحب كتاب (جند الله ثقافة واخلاقا ) الذي بقي في الزنزانة المنفردة أربع سنوات ونصف وخرج مرفوع الرأس مثقلا بالأمراض ومات في عز الشباب حضرت حفل خروجه من المعتقل في جامع الشيخ محمد الحامد جامع السلطان برفقة الشيخ الحبيب عبد الله علوان أسكنهم المولى فسيح جناته

وحضر وفد من مدينه الباب وكانت ليلة من ليالي العمر .

أقام شباب الجماعة في حماة معسكر فتوة باللباس الأصفر والبنطال الطويل مرّ الشباب أمام شرفة الشيخ محمد الحامد وهم ينشدون

هو الحق يحشد أجناده

ويعتد للموقف الفاصل

فصفوا الكتائب أساده

ودكوا به دولة الباطل

فبكى وبكى وبكى وأبكى .

كان رحمه الله غزير العبرة كثير البكاء ينطبق عليه قول الحق تبارك اسمه :

( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا )

وكان الحامد شاعرا فصيحا عف اللسان ولايسكت عن مخطئ .. متشدد في الفتوى .. ربى إخوانه على حب الإمام حسن البنا وحب المسلمين وكان يرى أن حسن البنا مجدد قرون وليس مجدد هذا القرن

وبكى عندما فارق مصر و البنا وقال :

ذبت يامصر مذ عزمت رحيلا

ولو اسطعت عشت فيك طويلا

يقول عنه زميله الشيخ علي الطنطاوي

 

كنت أخالف الشيخ الحامد في مسائل الفقه حين يذهب إلى التضيق على الناس وفي أدلة الشرع سعة .

وصحبته إلى مصر فوجدته صاحب نكتة وفي روحه خفة على القلب وفي سلوكه أنس للنفس .

من كتبه رحمه الله :

ردود على أباطيل ونظرات في اشتراكية الإسلام ورسائل كثيرة منها :

حكم الإسلام في الغناء وحكم اللحية في الإسلام.

واقرأ ماكتبه عنه جارنا في نجران الشيخ و الأخ الحبيب عبد الحميد طهماز كتب عن الشيخ محمد الحامد كتابا يوزن بالذهب عنوانه :

( المحامد من حياة المجاهد الشيخ محمد الحامد )

و أبدع الأديب الحبيب عبد الله الطنطاوي شيخ أدباء حلب وكتب ( الإمام المجاهد محمد الحامد )

توفي رحمه الله في حماة البطولة حماة الجهاد حماة الفداء سنة 1969 عن ستين سنة على اثر مرض في الكبد لم يمهله طويلا .

ومن عجائبه في مرضه وعلاجه في بيروت أنه لم يكن يقبل أن ينقل إليه دم إلا أن يكون دم رجل صالح ويقول :

( لا أحب أن يخالط دمي إلا دم مؤمن ركع لله وسجد )

رحم الله فقيه حماة وشيخ المجاهدين في بلاد الشام ورحم الشهداء وأسكنهم ربي فسيح جناته في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

 

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالرجال فلاح

والله أكبر ولله الحمد .

 

  • من مآثر العلامة الشيخ محمد الحامد الحموي رحمه الله (1)

بقلم / د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

كنت في السابعة من عمري ، أرى أبي يذهب مع أصدقائه لحضور جنازة الشيخ محمد الحامد والصلاة عليه ، ولكن الشيء الذي بقي عالقا في مخيلتي أنه بعد ذهابهم كانت الشمس ساطعة في جو السماء ، وإذا بالأمطار تنهمر وتتساقط ، وبعدما كبرت علمت أن جنازة الشيخ عندما خرجت من جامع السلطان في يوم الثلاثاء الساعة الثالثة بعد الظهر ، في شهر أيار من شهور الصيف ، ووضعوا للشيخ على مكبرات الصوت شريطا مسجلا بصوته لخطبة له في صلاة الاستسقاء ويدعو: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، فأجاب الله دعوته في حياته وبعد مماته ، فانهمر المطر على المشيعين ، وقد حدث مثل ذلك للحافظ أبي موسى المديني رحمه الله ، حيث أورد الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء 21/156 ( أنه لما مات أبو موسى المديني لم يكادوا أن يفرغوا منه ، حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد ، وكان الماء قليلا بأصبهان فما انفصل أحد عن المكان مع كثرة الخلق إلا قليلا ، وكان قد ذكر في آخر إملاء أملاه : “أنه متى مات من له مَنْزِلة عند الله فإن الله يبعث سحابا يوم موته علامة للمغفرة له ، ولمن صلى عليه”).

شغفه بالعلم منذ صغره فكان التحقيق العلمي والتوسع به دأبه وديدنه:

عشق العلم من صغره فكان شغفه ولذته وهو القائل: (إني لأوثر العلم على اللذائذ المادية التي يقتتل الناس عليها ، ولو أني خيرت بين الملك والعلم ، لاخترت العلم على الملك والسلطان)، وكم أثـَّرت فيه كملة أخيه شاعر حماة بدر الدين الحامد عندما ودعه مسافرا للأزهر لطلب العلم : (أعوذ بالله من نصف عالم)، فحفزته وضاعفت من همته، ثم تسخيره العلم لخدمة أمته ، وتفانيه في الدفاع عن قضاياها ، وحرصه على الرد والتصدي لكل الأفكار الهدامة ، والمعتقدات الباطلة.

 

جمعه بين الصوفية النقية ، والسلفية الحقة:

جمع رحمه الله بين الربانية في السلوك ، والانضباط بالشرع ، فكان شعاره (العلم أمير على التصوف )، وكان يقول : (السلفية الحقة مجتمعة مع الصوفية الصحيحة ، متى حسن الفهم ، وصح العزم ..، وإذا زخرفت الصوفية بالروحانية ، الغامرة، والرقة العميقة ، فليست بمنكرة على أختها السلفية تحريها تنقية الإسلام مما لابسه من الغرائب عنه ، كي يعود إلى صفائه).

 

قلب حاضر في خشية وإخبات:

الكلمة المؤثرة تسري في كيانه ، وتفعل في نفسه الأفاعيل، حدثني أخي السيد عبد الرزاق قاقات وكان شابا يافعا ، ومنَّ الله علينا بمرائي عجيبة ، قال رأيت رؤيا فأتيت الشيخ محمد لأحدثه بها ، وكان ذلك في الصباح بعد شراء الشيخ الخبز من أحد المخابز، فاستأذنته لأقص عليه الرؤيا، فقال تفضل ، فقلت : رأيت كأن القيامة قد قامت، والنيران تستعر ويتقاذف حممها ، ثم رأيت سيدنا موسى عليه السلام في السماء السادسة ، وكأنه يتصبب عرقا، ثم قال لي: (بلغ سلامي للشيخ محمد الحامد)، يقول: فما أن سمع ذلك وكأن صاعقة وقعت على الشيخ ، وحال عجيب أصابه، فبدأ النحيب والبكاء، ووقع الخبز من يده، وسقط الشيخ على الأرض وغاب عن وعيه، فعندما رأيته على هذه الحال، هربت خشية أن أتهم أني آذيت الشيخ أو أسأت له ، وفي صباح اليوم التالي جاء الشيخ محمد إلى بيت الشيخ محمود الشقفة رحمه الله وقال: شاب رأيته عندكم اسمه عبد الرزاق أريد مقابلته، فأرسل الشيخ إلي، ثم بدأ الشيخ محمد يعتذر مني ، خشية أن يكون أفزعني، ثم قال لي : (يا بني كيف تحدثني بمثل هذه الرؤيا وأنا في الطريق ، لقد خشيت على نفسي أن تزهق).

 

 

  • من مآثر العلامة الشيخ محمد الحامد الحموي رحمه الله (2)

بقلم / د. خلدون عبد العزيز مخلوطة

 

الورع كان له سجية وفطرة دينية:

تحقيق التقوى في سلوكه ، ظهر جليا في ورعه ، فكان مظهرا بارزا في تعاملاته ، وهذا مشهد حي ينقله لنا الدكتور عبد الرزاق الكيلاني رحمه الله في كتابه “الشيخ عبد القادر الكيلاني الإمام الزاهد القدوة” يقول: (كنت موظفاً في المستشفى الوطني في مدينة حماة ، وكانت سيارة دائرة الصحة تأتي كل صباح لتحملني مع باقي الأطباء إلى المستشفى ، وفي أحد الأيام ، ونحن ذاهبون إلى المستشفى بالسيارة رأيت الشيخ محمد الحامد رحمه الله يسير في اتجاه سيرنا ، فطلبت من سائق السيارة أن يقف لنأخذ الشيخ معنا ، فوقف ، وفتحت باب السيارة وقلت للشيخ : تفضل يا أستاذ لنأخذك معنا فنحن نسير في اتجاه سيرك نفسه، فقال: هل السيارة لك ، قلت : لا ، إنها لدائرة الصحة ، قال : إذن لا أركب معكم ، قلت : لماذا ؟ إننا سائرون في اتجاه سيرك نفسه، قال: أليس لي وزن ؟ ، وإن وزني سيجعل السيارة تصرف كمية أكبر من البنزين ، لذلك لا أستطيع أن أركب معكم ، وشكرنا وسار في طريقه)

ورع في الحياة وبعد الممات

موقف أوقفني الله عليه يدل على دقة الشيخ في النقل ، وبعدٌ عن الدعوات العريضة، وتنزه عن أن يوصف بما ليس فيه ، وتهذيب للنفس فقد تشعر بالراحة عندما تذكر بالمقامات العالية ، والهبات الجليلة ، لهذا كتب رحمه الله ليصحح ما كُتب عنه لرؤيا منامية نقلت عنه ، وكأن الله أراد أن يظهر للشيخ مأثرة من ورعة في حياته وبعد مماته.

بين يدي كتاب جميل للشيخ عيسى البيانوني الحلبي رحمه الله وهو من شيوخ العلامة الشيخ محمد الحامد بعنوان (فتح المجيب في مدح الحبيب ) ، وفي آخره ملحق بعنوان : (غاية المطلوب في رؤيا المحب للمحبوب ) تحدث فيه الشيخ عيسى بما منَّ الله به عليه من رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم وعظيم حبه له والتعلق به ، ثم أتبعه كذلك ولده الشيخ أحمد الصياد عز الدين رحمه الله في آخر الكتاب ما أكرمه الله من مرائيه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الكتاب أتت به زوجتي الكريمة أم عز الدين من مكتبة والدها رحمه الله في حماة ، وكان والدها تربطه صلة قرابة بالشيخ محمد الحامد ، وأشرف على مكتبته بعد وفاته ، وعند قراءتي للكتابين ، وإذا بي أقف على تحفة أثرية من آثار الشيخ محمد الحامد رحمه الله ، بخط يده الشريفة ، مُعلقاً ومُصححاً ،  تدل على قمة الورع ، والبعد عن حظ النفس ، والحرص على الدقة في النقل حتى لا يصفه الناس بما ليس فيه، وحذرا من أن يقع في وعيد النبي صلى الله عليه وسلم  “المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور” متفق عليه، مع أنه لم يدع هذا لنفسه ، وادعاه غيره له ، فعقب عليه بيده ، وإليكم الأصل وما علق عليه الشيخ محمد الحامد رحمه الله.

1-   يقول الشيخ أحمد الصياد عز الدين البيانوني : (ورأى الأخ الحبيب في الله ، الأستاذ الجليل الشيخ محمد الحامد عالم حماة وفقيهها – أكثر الله في المسلمين من أمثاله – رأى أن شيخنا – أي الشيخ أبو النصر خلف- رحمه الله تعالى دخل به ، وبمجموعة من إخوانه على النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يعرف منهم سوى أخيه الضعيف أحمد الصياد عز الدين البيانوني) .

2-   وإذا بالشيخ محمد الحامد يضع تعليقا بخطه المبارك فيقول : (في هذا الخبر وهَم – يضع فتحة على الهاء – والذي عقلته من الرؤيا ، أن الشيخ عيسى – البيانوني – تناولني من شيخنا – أبو النصر خلف – ، في زمرة منهم ولده الشيخ أحمد ، فأوقفنا على شباك ، وقع لي أنه شباك الحجرة النبوية ) ويوقع بجانبه محمد الحامد .

 فانظر إلى هذا الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم والتقوى، فهو لم ير أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما وقف على شباك ، ثم لم يقع أنه شباك الحجرة النبوية فقال (وقع في نفسي أنه شباك الحجرة النبوية)، فبالوقوف عند الحدود عظم مقدارهم عند الله ، ورفع شأنهم بين عباده.

 

لو استطعت أن أمر حفظتي بالصلاة على النبي صلى الله وعليه وسلم ، لفعلت:

مما يدل على وَلَعِهُ بالصلاةِ على النبيِّ صلى الله وعليه وسلم وحبه له ، أن أحد المشغوفين بحب النبي صلى الله عليه وسلم من أهالي بيروت، استأذنه لإقامة مجلس شريف للصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله وعليه وسلم ، فأجاب رحمه الله وهو يعاني آلام المرض في المستشفى: (لو استطعت أن أمر حفظتي – يعني الملائكة الموكلة بحفظه – بالصلاة على النبي صلى الله وعليه وسلم ، لفعلت)  .

 

شغفه بتدريس السيرة النبوية:

كان رحمه الله مشغوفاً بالسيرة الشريفة، مولهاً بدرسها وتدريسها، ولا عجب في ذلك، فحبه لها تعبير عن حبه العظيم لرسول الله صلى الله وعليه وسلم فقد وصل رحمه الله في طريق محبة الرسول صلى الله وعليه وسلم إلى نهاية ما بعدها نهاية، والى قمة ليس فوقها قمة، وشرب كأس المحبة كله فما أبقى منه شيئاً . الشوق إلى الله تعالى والى رسوله صلى الله وعليه وسلم مركبه، ما أنس إلا به، وما سعد بسواه، وما أكثر دموع الشوق التي ذرفها في هدآت الليل وفي الخلوات والجلوات! وما أعظم الآهات والزفرات التي صدرت من ذلك القلب التقي النقي المرهف الشعور والإحساس! .

وكان رحمه الله، يتخير من كتب السيرة ما كتب بعقل مؤلفه وقلبه، حتى يتوفر له تحقيق العالِم، وعاطفة المحب الصادق .

تركَ حجَّ النفلِ ليسدَّ حاجةَ الناسِ إلى المعلمِ والمفتي :

ولقد حج رحمه الله مرة واحدة في حياته، وكان يتمنى الحج والزيارة كل عام، لكن ورعه وتقواه منعاه من تحقيق أعز أمانيه، كان يقول: (كيف أذهب إلى الحج وأترك البلد خالية ليس فيها من يفتيها، ويحل قضاياها الشرعية، بعد أن ذهب معظم العلماء الى الحج؟ كيف أذهب إلى حج النفل، وأترك طلابي في المدرسة، وهم أمانة في عنقي، أُسأل عنهم أمام الله تعالى؟!).

لقد بلغ رحمه الله من رهافة حسه ودقة شعوره، أن أوصى كل من أراد الحج، ألا يأتي لتوديعه، يخشى رحمه الله ألا يتحمل قلبه هجمات الشوق، ودفقات الحنين ، ولما أُحيل على التقاعد بطلبه، كان يمني نفسه بالحج والزيارة، ولكن المرض ما أمهله، وقضى رحمه الله، واللوعة تأكل قلبه، وحرقة الشوق تذيب فؤاده

 

فراسة وحسن تعامل حسب طبيعة من يتعامل به:

حدثنا الشيخ بشير حفظه الله نقلا عن الشيخ محمد الحامد ، أنه عندما صدر قرار الإعدام على الشيخ مروان حديد وخمسين من إخوانه في عهد الرئيس أمين الحافظ ، ذهب الشيخ مع مجموعة من علماء حماة لالتماس العفو عنهم من رئيس الدولة، وعند وصوله للقصر الجمهوري ، قال الشيخ لمن منعه من المشايخ : (إن الرئيس أمين الحافظ صاحب نخوة و (زكرت )، وسأقوم بعراضة أمامه ، فرددوا خلفي ما أقول ) ، وعندما خرج الرئيس لاستقبالهم ، أخرج الشيخ منديله من جيبه ، وصار يهتف بهتافات أثارت نخوة الرئيس وحميته ، والمشايخ يرددون خلفه ، فوعدهم الرئيس بتلبية طلبهم ، فلم يعودوا إلا وقرار العفو معهم.

 

رحمه الله وعوض الأمة من أمثاله.