الدكتور عبد الرزاق محمد أشرف كيلاني

نسبه ونشأته :

هو عبد الرزاق بن محمد أشرف بن عبد الرزاق بن عبد القادر نقيب أشراف حماه ، ويمتدُّ نسبه إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره، وهو صاحب الطريقة القادرية.

ولد الدكتور عبد الرزاق في دار جده عبد الرزاق بحي الشمالية في الحارة الكيلانية سنة 1925م، وفي السنة الرابعة من عمره أرسله والده إلى روضة الأطفال التابعة لمدرسة دار العلم والتربية وكان مقرها في بناء ملحق بقصر العظم بحماه .

ثم انتقل إلى المرحلة الابتدائية في الدار نفسها، حيث تولى إدارتها كل من الأساتذة : عمر يحيى الفرجي، ثم مظهر الكيلاني ثم أحمد الوتار.

وفي سنة 1936م حصل على الشهادة الابتدائية (السرتفيكا) وانتقل إلى التجهيز، وهذه المرحلة تبدأ من الصف السادس وتشمل الإعدادي والثانوي، والتجهيز هي ثانوية السيدة عائشة الآن في شارع ابن رشد .

في عام 1943م حصل على الثانوية العامة حيث تقدم إلى كلية الطب في الجامعة السورية واستمر فيها مدة سبع سنوات وهي فترة الدراسة وفي شهر حزيران من عام 1950م تخرج من كلية الطب حيث أقيم حفل لتوزيع الشهادات وأداء القسم حضره رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي والوزراء وأولياء الأمور. وبذلك أتم دراسته العلمية وأصبح مهيئاً للعمل في مهنة الطب .

عمله

بعد تخرجه مباشرة التحق بخدمة العلم لمدة سنة كاملة، ثم عين طبيبا في مديرية الصحَّة في مُحافظة حماه، وفي عام 1952م توفي والده – رحمه الله تعالى –

وفي سنة 1954 تزوج من هند بنت منير الحراكي، التي أنجبت له الدكتور محمد أشرف وخمس شقيقات.

وفي سنة 1956 حج لبيت الله الحرام الحجة الأولى بالطائرة، ثم حج بعد ذلك خمس حجات أخرى .

وفي سنة 1959م حصل على الاختصاص بالجراحة العامة من دمشق، وقد حضر العديد من الدورات والمؤتمرات الداخلية والخارجية فحضر مؤتمرات : في القاهرة وبغداد والكويت والرباط، وزار القدس والمسجد الأقصى مرتين .

وفي عام 1963م التحق بدورة في الجراحة في مستشفى مدينة فيرتسبورغ في ألمانيا.

وفي عام 1968م أصبح رئيسا لقسم الجراحة في المستشفى الوطني في مدينة حماه، وانتخب رئيسا لنقابة الأطباء في محافظة حماه حتى عام 1980م حيث طلب إحالته إلى المعاش بعد خدمة في الدولة استمرت ثلاثين سنة.

بعدها انتقل إلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية حيث عمل طبيبا جراحا في مستشفى الشميسي لمدة ثلاث سنوات.

وقد تشرفت بمصاهرته أثناء وجوده في الرياض، حيث تزوجت من إحدى بناته في الإمارات، لتستمرالعلاقة الوطيدة بين العائلتين، بعد أن أسسها الأجداد، وقوَّى روابطها الآباء، ومتَّنها الأبناء .

ثم انتقل إلى مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة ليستقرَّ مع ولده الدكتور أشرف ويجتمع شمل العائلة بعد تفرق دام أكثر من ثلاث سنوات .

التفرغ للقراءة والتأليف :

وهنا تبدأ مرحلة جديدة في حياة الدكتور عبد الرزاق – رحمه الله تعالى – حيث قارب الستين سنة، فآثر ترك العمل في المجال الطبي وانقطع إلى المطالعة والتأليف وهذا التحول ليس بالأمر السهل على الإنسان إذا لم يكن مهيأ بزاد كبير من العلم والمعرفة، لكن الدكتور – رحمه الله تعالى – استطاع أن يتجاوز هذا الأمر بما عنده من اطلاع واسع، وعلم غزير، وملكة حافظة،إضافة إلى مكتبته الواسعة بشتى موضوعاتها، فكان إذا اقتنى كتابا، لا يضعه في مكتبته قبل أن يقرأه كاملا، مهما كَبُر حجمه، وتعدَّدت أجزاؤه، مما أهله لأن يسلك هذا المجال، فمطالعته الواسعة والمتنوعة، وملازمته لدروس العلم وصلته بكثير من العلماء والأدباء، ومتابعته للتطور العلمي كل ذلك كان حافزا قويا لأن يسلك هذا الطريق ويستمر فيه حتى آخر حياته .

بدأ – رحمه الله تعالى – مشوار التأليف بكتاب

  • الأمثال الحَمَوية في خدمة الحياة الاجتماعية

حيث جمع مادته من أفواه الحمويين على مدى سنين عديدة، وهو لا يدعي أنها جميع الأمثال التي يتداولها الحمويون، كما أنَّه حذَّر من الأمثال التي تدعو إلى الأخلاق السيئة، وبين ضررها على الفرد والمجتمع، وذكر نتائجها السيئة في الدنيا والآخرة، فغايته لم تكن حفظ الأمثال الحموية للأجيال القادمة فقط، إنما غايته الأولى هي الإصلاح ما استطاع إليه سبيلا.

ثم تابع تأليفه رحمه الله تعالى، فأصدر في السنة نفسها كتاب

  • كان يا مكان

 وهو عبارة عن مجموعة قصصية هادفة للأطفال والشباب، وقد طبع ثلاث مرات.

ثم أصدر كتاب

  • الحقائق الطبية في الإسلام

الذي يشتمل على الأحاديث الشريفة التي تتعلق بالطب والصحة مع شرح لها، وقد طبع مرتين . كما صدر في السنة نفسها كتاب

  • في سبيل صحة أفضل

 حيث تناول فيه خصال الفطرة في الإسلام التي وردت في الأحاديث النبوية الشريفة، ثم ذكر نبذاً عن الحبة السوداء والخل والإثمد والكمأة والبصل والثوم وفوائدها الصحية .

ثم توقف قليلاً عن الكتابة في الطب والصحة ليكتب في أعلام المسلمين، فكتب عن

الشيخ عبد القادر الجيلاني – رحمه الله تعالى – كتاباً قيماً، صدر عن دار القلم في سلسلة أعلام المسلمين…

ولابد من التنويه هنا إلى أمر مهم، وهو : أن ورقة من خارج الكتاب أقحمت لتكون من ضمن الكتاب، لكنها وللأسف كانت مُغايرة لموضوع الكتاب، لأنها تهاجم الشيخ عبد القادر، وتنتقص من قيمته وقدره وطريقته، وقد أخذت الصفحة رقم 82، وما أدري سبب إقحامها، والمتسبب فيها!! .

ثم أتبعه بكتاب آخر في الموضوع نفسه

  • من مواقف عظماء المسلمين

ثم صدرت له مجموعة كتب في مختلف الموضوعات منها:

  • الوقاية خير من العلاج
  • و التراث الشعبي في بلاد الشام
  • علاجات طبيعية ووصفات شعبية مُجرَّبة
  • المغناطيس واستعمالاته الطبية وغير الطبية
  • الحقائق الخلقية في الإسلام من الكتاب والسنة، وهو في جزأين، بيَّن فيه كيف يكون سلوك المرء مع ربه ومع عائلته ومجتمعه .
  • كما حقق وشرح كتاب ( أسامة بن المنقذ، وكتاب (أبو الفداء)، وكتاب (الملوك الأيوبيون بحماه)، ومخطوطة قديمة بعنوان (خواص الأحجار ).

وفي سنة2004 م صدر كتاب

  • أعلام العائلة الكيلانية في حماه

وهو كتاب خاص بالعائلة الكيلانية، ويشتمل على أعلامها بحماه منذ أن استوطنها جدهم سيف الدين يحيى عام 685 هـ وحتى نهاية القرن الرابع عشر الهجري، حيث أخذ أكثر هذه الأعلام من مخطوطة للحاج أحمد قدري الكيلاني رحمه الله تعالى عن أعلام حماه. ومن مخطوطة للسيد سيف الدين الكيلاني رحمه الله تعالى من (الطبقات الجيلية).

وخلال هذه الفترة التي استغلها رحمه الله تعالى بالكتابة والتأليف واستمرت أكثر من خمسة عشر عاماً كان يعاني من بعض الآلام في ظهره ورجليه والتي تنتابه بين الحين والآخر فكان يعالجها بالصوم على الماء تارة، وببعض الوصفات الشعبية تارة أخرى، حتى يشفى منها تماماً، وقد أجريت له عملية (بروستات ) في مستشفى دبي أثناء وجوده فيها .

ولما استقر مقامه في مدينته حماه، لم يتوقف عن مطالعاته وكتاباته، لكن آلام الظهر والرقبة عاودته على أشدها، مما اضطره أن يجري عمليتين جراحيتين لظهره ورقبته (ديسك) خلال عام واحد على يد جراح الأعصاب الدكتور موفق العظم. وقد كللتا بالنجاح ولله الحمد، ومع ذلك لم يتوقف – رحمه الله تعالى – عن تآليفه، واستطاع أن ينهي كتابه الضخم:

  • أعلام حماه

والذي بدأ بجمع مادته منذ أكثر من خمس سنوات، معتمدا على ما قام به الحاج قدري الكيلاني – رحمه الله تعالى – قبله، فعمل على ترتيبه وتنقيحه وشرحه وتصحيح أخطائه وإضافة تراجم كثيرة إليه. وهو لا يدعي أنه أحاط بكل أعلام حماه الذين عاشوا في هذه الفترة – من فجر الإسلام إلى نهاية القرن الرابع عشر الهجري – لكنه ذكر من عرف منهم، وحصل على معلومات كافية عنهم بعد السؤال والبحث مدة طويلة .

وانتهى من هذا الكتاب قبل وفاته بأيام قليلة .

وقد ذكر – رحمه الله تعالى – في ترجمته الذاتية أنه: (إذا كان في العُمر فسحة من الأجل، وفي الصحة فُسحة من القوة والنشاط، فسأعمل إن شاء الله تعالى على إخراج الجزء الثاني من كتاب (من مواقف عظماء المسلمين)، وكتاب (في سبيل صحة أفضل) بعد أن أضيف إليه أبحاثا جديدة، وكتاب (العلاجات الطبيعية) بعد أن أضيف إليه (وصفات شعبية)

وفاته :

لكن القدر لم يمهله ليرى كتابه (أعلام حماه)، ولم يمنحه فسحة من الأجل ليخرج ما تمنى أن يُخرجه، حيث دعي لخطوبة أحد شباب العائلة من ابنة أحد أفراد العائلة أيضا، وطلب منه والد الشاب أن يتحدث باسمهم ويطلب الفتاة من أبيها، لأنَّه عميد العائلة وشيخها، ولما حضر مكان الحفل، أجلس في صدر المجلس حيث بدأ حديثه بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تلا الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة التي تتحدَّث عن الزواج وتحثُّ عليه، ثم التفت إلى والد الفَتاة مُخاطبا إياه: نطلب يد ابنتكم فلانة لولدنا فلان ابن فلان على سنة الله ورسوله، أتوافقون ؟

ردَّ عليه والد الفتاة ردا جميلا معلنا موافقته دون تردد، لكن الدكتور عبد الرزاق بقي ساكتا، فانتبه ولده الدكتور أشرف إليه وناداه، فلم يرد عليه، فقام إليه مسرعا يكلمه ويحرك يده لكن دون جدوى، فحمل إلى المستشفى فورا حيث تبين أنه أصيب بنزيف دماغي، وكان ذلك مساء الخميس 11/ 8 /2005م،

واستمر معه حتى صباح الأحد العاشر من رجب الفرد لعام 1426هـ الموافق 14/8 / 2005م، حيث لبى نداء ربه راضيا مرضيا، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وصلي على جثمانه الطاهر في الجامع النوري بعد صلاة الظهر ثم ووري الثرى في مقبرة الصفا.