الأستاذ عبدالغني محمود الحامد
مولده و نشأته:
بدأ أستاذنا عبد الغني ( أبو أحمد) رحلة الحياة في عام (1914م) ودرس دروسه الأولى في حماة على أبيه وزملائه وعلى أخيه بدر الدين ، ثم دخل المدرسة الثانوية في حمص ، وبعدها دار المعلمين في دمشق ، وتخرج فيها أولا على زملائه ، ودخل سلك التعليم في حماة في مراحله جميعاً ، ونقل فترة إلى قرية بلبل في شمال سورية حينما غضب المستعمرون من أخيه بدر الدين ثم عاد إلى حماة واستمر يعلم اللغة العربية للأجيال المتعاقبة من دون ملل أو كلل إلى أحيل على التقاعد في عام (1973م) ، وخلد إلى الكتب يقتل في سطورها وأفكارها ساعات نهاره وأغلب ساعات ليله إلى أن سقط صريع مرض خطير بقي يعاني ألامه وطعناته وهجماته الشرسة حتى أسلم الروح يوم الجمعة الخامس عشر من شهر كانون الأول من عام (1989م) وشيع إلى مثواه الأخير بعد ظهر اليوم التالي ..
ولقد انسى الكثير ، واتناسى الأكثر ، ولكني لن انسى ابداً صورة أستاذنا عبد الغني الحامد بكل جزئياتها ودقائقها .. القامة والوجه الصبوح المشرق ، الصوت الاغن المطرب ، الوداعة ، البراءة ، العذوبة ، الطريقة الرائعة في نقل المعلومات ، المحبة والحنان والتشجيع التي كان يهديها للجميع .. للجميع على حد سواء من دون اي تمييز أو تفريق ..
ان أستاذنا أبا أحمد كان مالكاً للاداة وكان قادراً على العطاء ، ومن هذا المنطلق فقد كان تأثيره في نفوسنا وعقولنا وقلوبنا كبيراً وعظيماً ، ولاأعدو الحقيقة حين أقول ان حبي اللغة العربية والادب العربي كان باعثه أبا أحمد، وإن تعرفي عمالقة الأدب كان من خلال أبي احمد وكلماته وشروحه وانطلاقاته ، وما كان احلى شعر زهير وجرير وجميل وعمر والمتنبي واضرابهم وهو يسيل من فمه شهداً مذاباً .. وإني على يقين تام بأن كل من تتلمذ عليه واستمع إليه يشاركني ماقلت نصاً وروحاً ..
وإنني أعرف أن لأستاذنا شعراً، وأن له كتاباً بعنوان – الله – من خلال الأديان والعقائد والفلاسفة والمفكرين ، وأن له أبحاثاً في الادب والمجتمع ..
وبعد ..
يكفي أن الأستاذ عبد الغني قد ألقى النور في عيون الآلاف من محافظة حماة وفي قلوبهم وترك في أعماقهم حكاية تتلى وعبرة مثلى وكان حقاً الذواقة ، والمعلم المعطاء ، والرجل النبيل بكل ماتحويه هذه الكلمات من معان
وفاته:
في يوم السبت السادس عشر من كانون الأول من عام 1989م، شيعت حماة علماً من أعلام التربية والعلم والأخلاق هو المرحوم عبد الغني الحامد، هيهات ان يجود الزمان بمثله وهو الذي قطع رحلة الحياة الدنيا في خمسة وسبعين عاماً ، كان جلها حافلاً بالعطاء الذي ترك بصماته واضحة بارزة في كل الأجيال التي تعلمت على يديه في خلال نيف واربعين عاما ..
فهو نجل المرحوم العالم الشيخ محمود الحامد وثاني بينه ، فالأكبر منه هو شاعر العاصي المرحوم بدر الدين الحامد، والأصغر منه هو عالم حماة المرحوم الشيخ محمد الحامد .. وكلاهما بارز في ميدانه
نماذج من شعره: –
كيف يرجون لنا أن ننثني
قـم إلى الكأس ولا تخشَ الـمـلامــــــــا
وارتشفْ مـن خمـرة الـحـب الـتهـامــــــا
ودعِ العـاذلَ لا تحفَلْ بـــــــــــــــــه
فـمـن الجهل لقـد صـاغ الكلامــــــــــا
نحن أدرى بـالـذي نجلــــــــــــــو فهل
كـانـتِ الكأسُ سـوى الروح قـوامـــــــــا
والشـراب الصرف هل كـان ســـــــــــــوى
نفحةٍ عـمّت فأحـيـت مستهـامـــــــــــــا
فإذا مـا ذقتُ مــــــــــــــــــنه نقطةً
لجَّ بـي الشـوق وعفتُ الإحتشـامــــــــــا
والجـبـالُ الشمّ لـو يُجلى لهــــــــــــا
لَهَوَتْ مـنه خشـوعًا تتـرامـــــــــــــــى
كـيف يرجـون لنـا أن ننثنــــــــــــــي
والـذي ذقنـاه فـي السـرّ أقـامـــــــــا
مـن يـديْ شـيـخٍ لنـا قــــــــــــد بَلَغَتْ
رتبَ الفضل بـه العـلـيـا مقـامـــــــــا
يـا أبـا النصر جُزيـتَ الخـيرَ عـــــــــن
معـشـرٍ عـلّقتهـم هـذا الغرامـــــــــــا
لـم نكـن نعـرف مـن قبـلُ جــــــــــــوًى
يـمـلك القـلـب ولا دمعًا سِجـامـــــــــا
ثـم لـمـا أن تـوجّهتَ لنــــــــــــــــا
أصـبحت نـار الهـوى تذكـو ضِرامـــــــــا
أنـت ألهـبتَ الـحشـا مـن خمـــــــــــرةٍ
هـي ذكْر الله فـي القـلـب دوامـــــــــا
وبحـب الـمـصطفى عـلَّقتـنـــــــــــــــا
وإلى الإخلاص وَجَّهْتَ الكِرامــــــــــــــا
سـيّدي شـيـخـي تـرفّق بـالـــــــــــــذي
حُرِمت عـيـنـاه فـي اللـيل الـمـنـامــــا
أنـا أصـبحت بكـم مـن كلفــــــــــــــي
أجـد السلـوى عـلى نفسـي حـرامـــــــــا
ولئن نلـتُ الرضـا مـنكـم فقــــــــــــد
فزت فـي الـحـب وبـلِّغتُ الـمـرامــــــــا
_______________________________________________
كاتب الترجمة: الأستاذ وليد قنباز