الشيخ محمود أحمد العثمان آغا

مولده ونشأته :

هو أبو أحمد محمود بن أحمد العثمان آغا، ولد عام /1347هـ الموافق 1928 م/، لأسرةٍ تسكن في سوق الصاغة بحماة، كان أبوه أحد تجار سوق الطويل الذين يشار إليهم بالبنان لحكمته ورجاحة عقله، و يحتكم إليه أهل السوق.

– عُرف أبواه بصفاء قلبيهما، حدث مرة أن رأت أمه رؤيا تأمرها فيها أمها بمغادرة الغرفة حالاً فاستيقظت فزعة ً وحملت أطفالها وخرجت ولم تكد تخرج إلى صحن الدار حتى هوى سقف البيت.

– رُزق أبواه حب أهل العلم فمضافته لم تخل يوماً منهم ، و كان القائم على شرف خدمتهم ابنه الأكبر محمود – والدي الشيخ رحمه الله – مما جعل قلب والدي يتعلق بهم، وكان هذا سبباً في توجهه لطلب العلم الشرعي، إضافة لأسباب أخرى، كوفرتهم في زمانه و تجمعهم خاصة في حيه القديم في سوق الطويل مع كثرة مساجد تلك المنطقة، ولكن الشيخ الذي تربى في كنفه منذ بداية حياته هو الشيخ ( أحمد المراد الكبير ) فقيه الحنفية وأمين الفتوى بحماة حيث تعهده بالرعاية تعليماً وتأديباً في ( مسجد الجديد )، وفي بيته في مضافة والده.

– ظهرت عليه واضحة ً أخلاق الجد في الحياة، و التعلقِ بالعلم الشرعي، و لا أدري، هل هي فطرة فيه أم اكتسبها من شيخه؟ فكان يكره الفضول في كل شيء، من كلامٍ، أو طعامٍ، أو لباسٍ، أولعبٍ، و كأن الحياة عنده أضيق من أن تضيّع في غير طاعةٍ أو علمٍ أو عملٍ، حكت أمه أنه كان يرفض أن يشتري له أبوه ثياباً للعيد كإخوته إذا لم تهترئ ثيابه بعد، و كان يدّخر النقود في طفولته و لا ينفقها إلا في شراء كتابٍ أو شيءٍ مفيدٍ، على الرغم من وفرة المال عنده، كان حساساً، حدث مرة أنه سمع أحد أشياخه يتكلم مع شيخ آخر أنه كان يود شراء جُبة له عند فلان تاجر، و لكنه وجد ثمنها غالية، فسارع الغلام إلى حصالته و استخرج الثمن و ذهب إلى التاجر و أحضر قطعة القماش و قدّمها هدية للشيخ، و لما ذهب الشيخ إلى والد الغلام يشكره فوجئ أن والده لا علم له بالأمر.

– في عام / 1361 هـ  الموافق  1942 م /، حصل على الشهادة الابتدائية، فألحقه والده بالمدرسة المحمدية الشرعية في الجامع الشرقي بناءً على رغبته، و حصل منها على الشهادة المتوسطة عام /1367 هـ – 1947م/، و كان متميزاً فيها مما جعل له حظوة عند أشياخه و خاصة مدير المدرسة الشيخ محمود الشقفة رحمه الله، و بعد حصوله على الشهادة المتوسطة جعل همه التماس العلم في حلقات العلماء، و خاصة الشيخ محمد الحامد رحمه الله، الذي لازمه حتى توفي و انتفع منه كثيراً، و قد بذل جهده في تحصيل أكبر قدر من العلم الشرعي و الانتفاع ممن عاصر من شيوخ بلدته، كالشيخ توفيق الشيرازي، و الشيخ سعيد النعسان، و الشيخ محمود الشقفة، و الشيخ خالد الشقفة، و الشيخ سعيد لطفي، و الشيخ زاكي الدندشي، و الشيخ سعيد الجابي، و الشيخ عبد العزيز المراد، و الشيخ علي العثمان آغا ابن عم والده، الذي كان له أثر كبير في منهجه العلمي المعتدل، و الشيخ أبو النصر خلف النقشبندي الحمصي، الذي كان يزور حماة، و غيرهم من علماء بلدته.

– و خلال هذه المرحلة، عمل في التعليم بمدارس معدان في الرقة، ثم في السلمية، ثم في مدارس حماة، و على الرغم من انشغاله بالتعليم، لم تضعف همته في طلب العلم حيث كان يقضي معظم أوقاته في حلقات العلم أو بين الكتب، لدرجة أنه اطلع على جميع كتب المكتبة الخيرية بحماة، التي كانت في جامع المدفن في ذلك الحين، هذا مع الدقة في القراءة و الفهم، ذكر لشيخه الحامد مرةً أخطاء لغوية وقعت في بعض دروس الفقه، فكان الشيخ بعدها ينبه إلى الأخطاء و يقول إن محموداً نبهنا لأخطائنا اللغوية.

– حصل عام/ 1961م/ على الشهادة الثانوية الأدبية، و التحق بكلية الشريعة بجامعة دمشق، حيث تخرج منها عام /1970 م /، كانت هذه المرحلة شاقة ً عليه، لانشغاله بمهمة التعليم و لتحمله أعباء أسرته، و السبب فيه على إصراره عليها إضافة لرغبته أن الشيخ زاكي الدندشي زاره في منزله و أشار عليه بتحصيل شهادة شرعية و قال: مثلك يجب أن يتخصص بالعلوم الشرعية، لم ينقطع خلال هذه الفترة عن مجالس العلم و تعليمه و تعلمه و مذاكرته مع أقرانه، كالشيخ محمد علي المراد، و الشيخ بشير المراد المفتي، و غيرهم، رحمهم الله جميعاً.

– رغب في متابعة دراسته في جامعة الأزهر، إلا أن والده مانع من سفره و رغب بإبقائه عنده حيث كانت له منزلةٌ خاصةٌ في قلب والده من التقدير و الاحترام من بين جميع إخوته، فمنعه بره بوالده من سفره.

– انتقل إلى التدريس الثانوي في قلعة المضيق، ثم في ثانوية أبي الفداء في حماة، و هنا رغب شيخه الشيخ محمود الشقفة أن يدرّس عنده في معهد التكية، و كان هذا سبب سرور عظيم لوالدي و لشيخه الشيخ محمود الشقفة الذي يكنّ له غاية المحبة و الاحترام، و بقي مستمراً في التدريس بها حتى منعه ضعف جسمه قبل وفاته بسنتين.

– عمل خطيباً لجامع الشيخ محمد الحامد لبضع سنوات، و كانت له دروس عامة في جامع المسعود، و الأشقر، و الجديد، ثم الأحدب، و السلطان خلال شهر مضان.

– و في / عام 1984م / ، تقاعد عن التدريس من مدارس التربية، و لم يكن سبب ارتياح و هدوء له رحمه الله، بل كان بداية دأَب جديد، فصار يدرّس في الثانوية الشرعية، بالإضافة إلى تدريسه في التكية، و إمامته قي جامع الأشقر بسوق الطويل، مع أنه كان مرجع المذهب الحنفي في الفتوى حيث انتهت إليه رئاسة المذهب الحنفي في حماة منذ بداية الثمانينيات، بقي رحمه يشتغل بالتدريس و الفتوى لا يقصّر بشيء من ذلك، حتى صار له على كل صاحب منبر و محراب فضل، و في قلب كل فرد من أهل بلدته نصيب، و عندما أتعبه الهرم و بإلحاح من أهله و أطبائه ترك التدريس و بقي يشتغل بقراءة الكتب و الفتوى، ثم اشتد به المرض و تراجع صحته شيئاً فشيئاً.

وفاته:

في ليلة الاثنين الرابع من رمضان المبارك /عام 1425 هـ/ – الموافق للسابع عشر من شهر تشرين الثاني /عام 2004 م /، أسلم الروح لبارئها، بعد رحلة جهاد طويلة، و لعل تلك الروح بلغت المنزل التي طال الحنين إليه، و كم ذرفت العين لأجله ، كانت تغلبه العبرة عند ذكر الله و أوليائه، و تكاد أنسام الحب تحمله إليهم و لا يمنعه من مشاهدتهم إلا أستار رقاق يوشك أن يهتكها اللقاء، فلم يتعلق قلبه بسواهم و لم يلتفت إلى غيرهم، فشدد الحساب على نفسه و توقى الشبهات.

صفاته:

– كان رحمه الله تعالى عالماً ربانياً عاملاً قدوةً بحاله قبل مقاله، أمر بالمعروف و لم يقصر فيه، و نهى عن المنكر و توقاه، فرّ من شبهات المال، و الطعام، و المجالس تورعاً أن يكون فيها ما لا يرضي الله، بلغه أن مالاً لأبيه قد هلك بيد شريكه، فقال لأبيه: الحمد لله الذي أهلكه فإن عقد الشراكة كان فيه شبة، تجنب شبهات الفتاوى فإذا اتضح له الحكم الشرعي أفتى به و إلا قال : لا أعلم سلوا غيري.

– كان بكّاءً رطب الدمعة كرطوبة قلبه، رأيته قبل وفاته يتضرع و يبكي طوال الليل حتى يطلع الفجر،  و نحاول ان نهدئ من روعه فلا يستجيب لنا.

– كان واثقاً بالله لا تهزه المصائب و لا تُضعف من عزيمته، فاستمر بأدائه بواجبه و أداء رسالته بالدعوة إلى الله رغم الخطوب، حيث لم يكن منه إلا التسليم بالحمد و الشكر لله.

– أما صبره و دأبه:

فهو سمته

– تقرأ الجد في قسماته، في مشيته، في دروسه، في كلماته، لم يتأفف من واجب قط، ألزم نفسه بنظام دقيق في طعامه و شرابه و نومه و استيقاظه و دراسته و مجلسه، و لم يغير ذلك النظام إلا عندما غلبه المرض قبيل وفاته بأشهر، لو رأيته يوما ً و هو ابن الخامسة و السبعين من العمر يعود من المدرسة بعد ست دروس مشياً إلى منزله بنفس الهمة التي خرج بها، منكراً ذاته، متناسيا تعبه و اعياءه، شاكراً المولى سبحانه أن أكرمه بخدمة هذا الدين، لو رأيته لتصاغرت أمام همته همم طلاب العلم، لقد عرف هدفه، فلم يثنه عنه أي عارض، ابتلي عدة مرات بضعاف النفوس من إدارات المعهد الشرعي المتوالية بعد استشهاد الشيخ محمود الشقفة رحمة الله، حيث كانوا يجدون في شدة حب الطلاب و المدرسين له تقييداً لسلتطهم، على الرغم من بعده رحمه الله عن التدخل في شؤون المعهد لدرجة أنه لم يدخل سوى قاعة الدروس في السنوات الأخيرة، و مع ذلك عمدت تلك الإدارات إلى مضايقته لعله يتخلى عن التدريس في المعهد، تارة بسحب بعض المواد الشرعية منه، و تارة بتغيير أوقات الدوام، و تارة بادعاء عدم وجود رواتب، فكان جوابه سأبقى أدرّس و لو بالمجّان، و لم ينقطع عن التدريس حتى منعه المرض قبيل وفاته بسنتين.

– لم تُضعف همته الستون من العمر، عندما افتقد معظم طلابه، بل بدأ من جديد ليصنع لأمته و بلدته طلاباً من جديد، يحملون هذا العلم و كان له ذلك، فأنشأ جيلاً جديداً من طلاب العلم رغم صعوبة الظروف، حتى أن بعضهم ابتدأ بتعليمه القراءة و الكتابة، و بقي بهذا إرث العلم متواصلاً في مدينة حماة.

– أما حلمه رحمه الله:

فكان طبعاً لا تطبعاً، يتلقى الأمر بغاية الهدوء، إذا عرضت عليه خصومة سمع من المتخاصمين كلّ حديثهم، ثم يتكلم كلاماً موجزاً هادئاً خافتاً، فيقلبُ هدوؤُه و حزمُه سُخط المتخاصمين، رضى ً و تسليماً للحكم، و لكن حلمه على السائل ينقلب غضباً شديداً إذا لمس منه استخفافاً أو تهاوناً في حرمات الله، لا يسمح للعواطف أن تثيره قبل أن يتعقّل الأمر، أوقف فتنة ً عندما كان شاباً ابنُ إحدى و عشرين سنة، عندما كان معلماً في مدرسة الطالبية في السلمية / عام 1949 م/، حيث هوجم المعلمون من قبل شبان السلمية و لكنه تصدى وحده للموقف و أغلق باب الإدارة وراءه على المعلمين و لم يسمح لهم بالخروج و منعهم من اللجوء إلى العنف كحلٍ للمشكلة ، وأخمد الفتنة بحكمته، ( و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ).

– أما تواضعه رحمه الله:

فإنك تراه جلياً في مجلسه خلف طاولته الصغيرة على الأرض في غرفته المتواضعة في جامع الأشقر، أو ترى ذلك في ملبسه و جميع حوائجه التي لا يحب أن لا يقضيها إلا بنفسه و يكره أن يستخدم أحداً، و لم يزده هذا التواضع إلا وقاراً و هيبةً في قلوب الناس، و رفض أن يلبس لباس العلماء بدعوى أنه ليس أهلاً لذلك.

– ذكر لي أحد جلسائه عن وقاره و هيبته في قلوب خصماء النصارى الذين تحاكموا عنده في المسجد ثم قبلوا يده بأدب و انصرفوا شاكرين، و كان من زهده أنه يرى الاستزادة من الدنيا خسارة و التقلل مغنماً، فأعطى الناس ما لم يعط نفسه، يرى موت القلوب بركونها إلى الدنيا من مطعم و مشرب و لباس و مسكن، و كل متاع يقتنيه المرء لا يكون باب رضى لله تعالى فهو وبال عليه.

– و من كرمه أنه يفض الخصومات على حسابه إن اقتضى الأمر، و كأن الله رزقه المال لا ليتنعم به بل ليتقرب به إلى الله تعالى.

– اما علمه:

فكان مرجع المذهب الحنفي في حماة، فإن أشار بالحكم فهو الراجح في المذهب الحنفي، إلا إذا وجد فيه عنتاً على المبتلى أمره أن يلتمس الحكم عند علماء المذاهب الأخرى و لا يُضيّق عليه، مصداقاً للحديث الذي رواه الشيخان، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( يسّروا و لا تعسّروا و بشّروا و لا تنفّروا )).

و عندما سمع أن هناك من يفتي بفطرة رمضان بأكثر من قيمتها غضب و قال: الشرع ألزمنا بنصف صاع من بر من شاء أن يزيد عليه فلا يجوز له أن يلزم الناس بذلك.

– كان لا يقبل التساهل و الترقيع في أحكام الشرع و يقول: على الناس أن يعودوا إلى الفقه و يخضعوا له لا أن نخضع الفقه لأهواء الناس.

– كان جريئاً بقول الحق بالحكمة و الموعظة الحسنة، يعطي الحكم الشرعي للسائل كائناً من كان، و عندما كان شاباً لم يمنعه فرق السن الكبير بينه و بين إمام المسجد أن ينصحه عندما سمعه يذكر كلاماً مخالفاً للشرع، فأعرض الشيخ عنه مغضباً و لكنه تلقى الصدمة بالحكمة، و بعد ساعةٍ فوجئ بالشيخ يقرع باب البيت و يقول: أين أنت يا محمود؟ اشهد أني تائبٌ إلى الله مما كنت عليه.

– أما منهجه رحمه الله في الدعوة إلى الله:

فإمكاني أن أقرأ في حياته قولاً و عملاً و أستخلص سبع مبادئ مهمة فيها:

1 – أنه كان يرى رحمه الله أن أساس الدعوة الأول الإخلاص لله، و كلما استنصحه طالب علم شرعي في أمر يكون ذا جدوى في الدعوة إلى الله يقول له : ما كان لله فهو المتصل و ما كان لغير الله فهو المنقطع، قال لي رحمه الله مرة ً : لو قرأت سيرة  الفقهاء الأربعة لعلمت أن سر بقاء فقههم خاصة ً من بين معاصريهم من المجتهدين ليس لعلمهم فقط بل لسبقهم بالترقي في شدة المحاسبة بالنفس في الاخلاص لله تعالى.

2 – أن نشر العلم الشرعي بسنده المتصل بالعلماء الثقاة العاملين، هو طريق اصلاح هذه الأمة، بل و إن سبيل شدة تمسك المسلمين بدينهم هو معرفتهم الحقةُ له.

يذكر رحمه الله تعالى ذلك في كراسة ٍ سماها خواطر فيقول: إن أي إنسان منصف يمتع بسلامة التفكير ، متحررٌ من هواه لو اطلع على مبادئ الإسلام لما رضي بغيره بديلاً و لعض عليه بالنواجذ، فاشتغل رحمه الله بهذا المنهج، يعرّف الناس عقيدتهم و شعائر دينهم و أخلاقهم.

3 – و هو مبدأ مهم في الدعوة إلى الله: و هو عدم الانتماء إلا للإسلام وحده، و إن الانقسام إلى  جماعات، أو التمسك بألقاب لا يزيد الأمة إلا تمزقاً، بل و يقيم الحواجز أمام الداعية و يزرع الأحقاد في القلوب.

كان رحمه الله يوصي بعدم الخوض في هذا الميدان، فإن ميراث السلف من القرون التي شهد له النبي صلى الله عليه و سلم بالخيرية، لما يحويه من فقه و  عقيدة و تصوف لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، و هو الإسلام بمعناه الواسع و المؤلفِ للقلوب و هو القول الفصل بينهم، و كان كثيراً ما يردد أمام طلابه و زواره: المسلمون في الشرق و الغرب سواء تجمعهم وحدة العقيدة و السلوك، لأنهم يخضعون لعباداتٍ و أحكامٍ و احدة.

4 – وجوب اطلاع الداعية على ثقافات العصر و تياراته الفكرية، فكان رحمه الله دائم القراءة للكتب الفكرية المستجدة للتعرف عما يدور في العالم من فلسفات و أفكار، و يحث طلاب العلم الشرعي على قراءة بعضها، و لكن بشرط أن لا تكون على حساب التحصيل الشرعي، و الاطلاعُ على المهمِ منها فقط، مع عدم الإسراف في ذلك، منطلقين من قاعدة شرعية متينة.

5 – الدعوة إلى الله بالحال و ليس بالمقال: فعلى الداعية أن لا يرتجي من الناس ترك منكر قد تلبس هو به، إضافة إلى وجوب الابتعاد عن مواطن الشبه، لأن رسالة الداعية أسمى من أن تلوث بالشبهات، بشبهات لا حاجة له بها، و ذلك بالتنزه عن أموال الناس أو بعض مجالس مشبوهة.

6 – ضرورة أن يهتم طالب العلم الشرعي الداعيةُ بجميع مشاكل أمته، و يبحث عن حلولها بالشرعي الإسلامي، و عدم حصر العلم الشرعي فقط، فينطلق في الدراسات الاقتصادية و القضائية و غيرها.

و ذكر أكثر من مرة أن التيارات الإلحادية استطاعت أن تقنع كثيراً من الناس أن الدين الإسلامي عبارة عن عبادات فقط ، فيعد المسؤول عن ذلك ضعف كثيرٍ من الدعاة في تحصيلهم في العلوم الشرعية.

7 – وجوب الاندفاع إلى ميدان الدعوة لتعليم الناس إسلامهم الحق جهد المستطاع، و عدم توفير فرصةٍ للدعوة مهما غلّقت الأبواب في وجهها، و شقَ الطريقُ في سلوكها، سواء كانت الدعوة بالتعليم في المدارس العامة، أو الشرعية، أو في المساجد بالدروس، أو بالخطب، حتى ولو بلقاء الناس عن طريق إمامة المسجد، المهم الاتصال بالناس بأي و سيلة لإيصال الدعوة إليهم.

– هذه هي أهم المبادئ التي التقطها من سيرته، كنقاطٍ بارزةٍ في عمله الدعوي قولاً و عملاً، و كانت لها الثمرات اليانعة، أنا لا أستطيع أدعي العصمة لمنهجه الدعوي و لكنه كان حصيلة تجربةٍ طويلةٍ لداعيةٍ قارب الثمانين من العمر، و عاصر تيارات الفكر في العصر الحديث، بل عاين كثيراً من رجالاتها، و حتى لا يكونَ في كلامي نوعُ محاباة، أستدل على نجاح عمله الدعوي:

1 – محافظته على عمود العلم الشرعي قائماً في مدينته، في وقت كاد أن يُفقد المشتغلون فيه تعليماً و تعلَماً.

2 – غرسه لمنهج الاعتدال الذي ورثه من شيخه الحامد عند الدعاة من طلاب العلم الشرعي في مدينة حماة، و محاولته القضاء على العصبيات عندهم، و كان يميز عمله كله بالصمت و الهدوء، و سلك بدعوته مسلكاً بعيداً عن العشوائية و الآنية، فعُرف ببعد النظر و اليقظة.

و علينا أن نعلم أن من كان قدوةً بحاله فلن ينسى أبداً و إن نسيت أقواله، فهو في مخيلة طلاب العلم الشرعي بحماة، واعظاً يرفع لهم المَحجة و يقيم عليهم الحُجة و صدق القائل :

محمودُ عثمانَ الذي شهدت له                أهلُ الديار معلماً و مبشراً

جيلٌ من العلماء إرثك شاهدٌ            ليزيد في صفحات ذكرِك عنبراً

أفنيت عمركَ في هموم قد بدت                بالمسلمين تألّماً و تحسراً

و إذا الرزيةُ عند بابك أنشبت            بالله لذت و لم تكن متضجراً

غاب الذي قد كان فينا علماً              بدراً تبدى في الظلام منَوِّرَاً

 

و أنا كابن أولاً، و كطالب علمٍ ثانياً أقول: مازلنا نحن طلاب العلم الشرعي بحماة نعيش هول الصدمة بفراقه، لقد صبرنا و احتسبنا، و لكن كنا حقيقةً كنا عالة عليه، و فجأة فقدنا من يقدم لنا الزاد، فما على تلك الطيور الضعاف أن تلتمس حذرةً الزاد بنفسها، و تسأل الله العظيم أن يحميها من شباك الضلال و الغواية و تسعى في التعويض عن علمائها أمثالَهم، علماً و عملاً وورعاً و تقوى و تأتسي بسيرتهم، اللهم ارحمهم أجمعين و احشرنا و إياهم تحت لواء سيد المرسلين آمين و الحمد لله رب العالمين.

_________________________________________________

كاتب الترجمة: نجل الشيخ محمود – الشيخ إبراهيم محمود عثمان آغا