الشيخ صالح سلطان
الشيخ صالح سلطان
ولادته و نشأته:
وُلِدُ الشَّيْخ صَالِح سُلْطَان فِي حَمَاةَ عَامَ ( ١٨٨١ م) وَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى إِثْرِ سَكْتَةٍ قَلْبِيَّةٍ مَسَاءَ ١٤ شُبَاطَ ( ١٩٥٣ م) عَقِبَ أَدَائِهِ فَرِيضَةَ الْعِشَاءِ، وَبِذَلِكَ اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى أَمْنِيَّةً مِنْ أَمَانِيهِ طَالَمَا كَانَ يَتَمَنَّاهَا أَلَا وَهِيَ وَفَاتُهُ وَهُوَ بِحَال صِحَّتِهِ، وَبِأَثْنَاءِ صَلَوَاتِهِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَي رَبِّ العَالَمِينَ، دَرسَ وَتَخرَّجَ عَلَى أَيْدِي أَعلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فِي حَمَاةَ بِصُورَةٍ خَاصَّةٍ، كَانَ شَدِيدَ الْمَيلِ لِلْأَدَبِ وَالشِّعرِ، أُجِيزَ مِن كَثِيرٍ مِن كِبَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُم: الشَّيْخُ مُحَمَّد طَرَبِين سَنَةَ ( ١٣٢٣ هـ)، وَالْعَلَّامَةُ الشَّيخ فَارِس الشُّقَفَة فِي مُحَرَّمٍ (١٣٢٥ هـ) وَذَلِكَ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ أُجِيزَ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ مِنْ قِبَلِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخُ عَلِيّ الدَّلَّال فِي ١٥رَبيع الْأَوَّل سَنَةَ ( ۱۳٢٨ هـ)، هَذَا وَقَد دَاوَمَ عَلَى التَّطبِيقَاتِ التَّدرِيسِيَّةِ فِي دَارِ المُعَلِّمِينَ بِدِمَشْقَ خِلَالَ الْحَربِ العَالَمِيَّةِ الْأُولَى، بِنَاءً عَلَى رَغْبَةِ وِزَارَة الْمَعَارِفِ، تَلَقَّى فَتْرَةً مِنْ الزَّمَنِ أُصُولَ التَّربِيَةِ وَالتَّدرِيسِ.
- وظَائِفَهُ_الدِّينِيَّة: تَوَلَّى الإِمَامَةَ وَالْخَطَابَةَ وَالتَّدْرِيسَ فِي جَامِعِ الْأَفَنْدِيِّ مَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ قَرْنٍ.
- وَظَائِفُهُ_المَدَنِيَّة: تَعَيَّنَ مُدِيرًا لِمَدْرَسَةِ بُرهَانِ التَّرَقِّي الأَمِيرِيَّة.
عُيِّنَ مُسَاعِدًا أَوَّل فِي مَحْكَمَةِ حَمَاةَ الشَّرعِيَّة.
وَفِي أَوَاخِرِ عَامِ ( ١٩٢٣ م) عُيِّنَ مُعَلِّمًا خَاصًّا لِلدِّيَانَةِ وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي نَمُوذَجِ التَّطبِيقَاتِ فِي حَمَاةَ، وَفِي الْقِسمِ الِابتِدَائِيِّ مِنْ الْمَدْرَسَةِ التَّجهِيزِيَّةِ إِلَى أَنْ أُحِيلَ عَلَى التَّقَاعُدُ لِبُلُوغِهِ السِّنَّ الْقَانُونِيَّةَ.
* قَالَ فِيهِ الْمُجَاهِدُ مُحَمَّدْ سَعِيد الزَّعِيم رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: «لَنْ أَبْكِيَكَ أَيُّهَا الْمُرَبِّي كَمَا يَبْكِي كُلُّ مَفْجُوعٍ فَقَيَّدَهُ، فَالعَينُ أَضعَفُ أَنْ تفِيكَ حَقَّكَ من الْبُكَاء، وَإِنَّمَا أَبكِي الْيَدَ الْبَيضَاءَ الَّتِي أَسْبَغتَهَا عَلَى أَمْثَالِي مِنْ تَلَامَذَتِكَ، وَقَد انْخَرَطُوا فِي مَدْرَسَتِكَ أَطْفَالًا صِغَارًا لَا يَعرِفُونَ الأَلِفَ وَالبَاءَ، فَشَقَقَت ومن معك من الأَسَاتِذَةِ الْأَطْهَارِ طَرِيقَ الطُّفُولَةِ أَمَامَهُمْ، وَقَدْ عَبَّدتها صِفَات فِيكَ مِن الْحَزمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْكَفَاءَةِ وَرُوحِ التَّجَدُّدِ، قَلَّ أَنْ تَتَوَفَّرَ فِي أَمثَالِكَ وَمَنْ مَعَكَ مِنْ الشُّيُوخِ».
كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ مَدْرَسَةِ بُرهَانٍ التَّرَقِّي: الْحُكَّامُ وَالْقُضَاةُ وَالْمُحَامُونَ وَالْأَطِبَّاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَالتُّجَّارِ وَالْوُجَهَاءِ.
جَمَعَ مُدِيرُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى جَانِبِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ تَبَحُّرًا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَآدَابِهَا، وَكَانَ يقرضُ الشِّعْرَ، وَيُحْسِنُ النَّظْمَ، وَيُجِيدُ الْخَطَابَةَ، قَوِيَّ الْحُجَّةِ، حَاضِرَ الْبَدِيهَةِ وَالنُّكْتَةِ، مَرِحَ النَّفْسِ، كَثِيرَ الْأَمَلِ، قَوِيَّ الذَّاكِرَةِ، اتَّصَلَ بِكَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ وَأَسَاتِذَةِ الْوَطَنِ السُّورِيِّ، وَأَفَادَ وَاسْتَفَادَ.
*وَقَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ الْكَبِيرُ الْأُسْتَاذُ بَدرُ الدِّينِ الْحَامِد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «الشَّاعِرُ الْمَوْهُوبُ الشَّيخُ صَالِح سُلْطَان عَلمٌ مِنَ الأَعْلَامِ، جَلِيلُ الْقَدرِ، وَقَفَ عَلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وُقُوفًا تَامًّا، وَفَهمَ الدِّينِ فَهمًا صَحِيحًا، وَأَخَذَ نَفْسَهُ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ بِالشَّعْرِ عَلَى طَرِيقَةِ شُعَرَاءِ عَصْرِهِ، فَحَلّقَ بَيْنَهُمْ، وَكَانَتْ لَهُ مَكَانَةٌ مَرْمُوقَةٌ، فَهُوَ يَمْدَحُ وَيَتَغَزَّلُ ، وَيَهْجُو أَحْيَانًا بِرِفْقٍ وَلِينٍ، وَيَصِفُ، وَيَتَعَمَّدُ الصِّنَاعَةَ الْبَدِيعِيَّةَ، وَيَغْرَقُ فِيهَا إِغْرَاقًا قَلَّمَا يَلْحَقُ بِهِ شَاعِرٌ فِي زَمَانِهِ، وَمِنْ الْإِنْصَافِ أَنْ نَعْتَرِفَ لَهُ بِالْعَاطِفَةِ الصَّادِقَةِ تَتَجَلَّى فِي شِعْرِهِ عِنْدَمَا يَتَغَزَّلُ وَيَصِفُ، فَهُوَ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ صَادِقُ الْحِسِّ لِأَنَّ رُوحَهُ تَتَأَثَّرُ بِالْجَمَالِ وَالْمُوسِيقَى وَالصُّوَرِ الْأَخَّاذَةِ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ».
وَقَالَ فِيهِ الْأُسْتَاذُ قَدَرِيٌّ الْعُمَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «نَظْمَ الشَّعْرَ فِي لفظٍ عَذبٍ، وَخَيَالٍ حُلْوٍ، وَأَنْشَدَهُ فِي حَلَقَاتِ الْقَوْمِ إِنْشَادًا عَذْبًا حُلْوًا، وَجَلَسَ الْمَرْحُومُ فِي الْمَجَالِسِ، عِنْدَ الصُّنَّاعِ وَالتُّجَّارِ وَعِنْدَ الْبَائِسِينَ وَالْمُتَرَفِينَ، وَبَسَطَ بَيْنَهُمْ بِرُوحِهِ السَّمْحَةِ وَقَلْبِهِ الْبَصِيرِ طَرَائِفَ ضَاحِكَة سَاخِرَة نَاقِدَة، تُغرِي بِالعَمَلِ، وَتعرضُ الْبِلَادَة عَرضًا زَرِيًّا ضَاحِكًا هَزَّ البَلِيدِ وَحَرَّكَهُ، ثُمَّ بَدَّلَهُ بِالْكَسَلِ نَشَاطًا، وَبِالْبَلَادَةِ قُوَّةً وَاقْتِدَارًا، وَهَكَذَا قَضَى الْمَرحُومُ حَيَاتَهُ، بَينَ شعرٍ ينشدُ، وَعِلْمٍ يُلقى، وَفُكَاهَةٍ نَاقِدَةٍ
تضحَكُ وَتُضحِكُ، وَمَدرَسَةٍ تَرَتِّبُ وَتعلَّمُ».
دُفِنَ الشَّيخُ صَالِحُ سُلْطَانٍ فِي مَقْبَرَةِ الْحَاضِرِ الَّتِي انْدَرَسَتْ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَاقْرَؤُوا يَا إِخْوَانِي دِيوَانَهُ الْمُسَمَّى (السُّلْطَانِيَّاتُ).
وَمِنْ شعرِ الشَّيْخِ صَالِح سُلْطَان رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
حِكَمَ الزَّمَانِ بِفُرقَتِي وَبعَادِي
مَا لِلزَّمَانِ أَتَى بِغـَيْرِ مـُرَادِي
يَا وَيْحَ صَبٍّ لَيْسَ تَرَحَمْ فِي الْهَوَى
حـَالَاتـهُ مِـنْ دَهْـرِهِ الْمُـتَمَادِي
اللَّهُ أَكْبَرُ كَـمْ يُعَـذَّبُ فِي النَّوَى
قَـلْـبِي فَـهَا مـلكٌ لِقـِيـَادِي
عُودِي لَيَالِي الْأُنْسِ نَحْوِي سَاعَة
فـَإِلَـيْك شـَوْقِي لَمْ يَبّـؤْ بِنَفَاد
إِنِّي امْرُؤٌ أَهْـوَى الجَمَال وَإِنَّمَا
بِـهَوَى الجـَمَالِ تَـفـَتُّت الْأَكـبَاد
أَسْتَـوْدِعُ اللَّـه الْأَحـِبَّةَ إِنـَّهُمْ
سـحرًا جـفَوا وَلَـقَدْ نـَفَوْا لِرقَادِي
سَارَتْ مَحَامِلُهُمْ فَثَارَتْ فِي الْحَشَا
نـَارٌ دَعـَتْ جِسـْمِي شَـبِيه رَمـَادَ
اللَّـهِ يـَا غَـربَ النـَّقی بِمـَتِيمٍ
مِنْ وَصَلِكُمْ مَا نـَالَ بَعـْض مـُرَاد
جُودُوا لَهُ وَارْعَوْا قَدِيم ودَادِهِ
فَـالصَّـبْرُ فـَارَقَـهُ بِطُـول بـعَاد
یا دَهْرْ حَسْبُكَ مَا أَرَه فَإِنَّ لِي
كَـبِدًا تَـمَزَّقَ مِـنْ جَـفَا الْأَسْـيَادِ
وَقَالَ الشَّيْخُ صَالِح سُلْطَان رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَارِيخِ وَفَاةِ الْأُسْتَاذِ الشَّيْخِ مُصْطَفَى الْحَدَّادِ رَحْمَةُ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَشَار مَحْكَمَةِ التَّمْيِيزِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَوَفَّى فِي رَجَبِ الْفَرْدِ سَنَة َ( ١٣٥٧ هـ)، وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ مَكْتُوبَة عَلَى شَاهِدَةِ قَبْرِ الشَّيْخِ مُصْطَفَى الْحَدَّاد:
بَكَتِ الْمَحَابِرُ وَالْمَنَابِرُ سَيِّدًا
قَدْ كَـانَ صـَدْرًا لِلْمَحَاكِمِ أَوْحَدًا
هُوَ مُصْطَفَى الْحَدَّادِ ذُو الْحَزْمِ الَّذِي
فِي فَضـْلِهِ شـَهِدَ الْأَحِبَّةَ وَالْعِدَا
مِنْ لِلْفَتَاوَى وَالْمَسَائِلِ بَعْدَهُ
إِنْ حَـلَّ إِشْـكَالٌ بـِهَا وَتَعـَقُّدَا
بُشْرَى لَهُ قَدْ حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ بَلْ
یـا فـَوْزَهُ زَارَ الْحـَبِيبُ مُحَـمَّدًا
حَتَّى بِشَهْرِ اللَّهِ لَبَّى مُسْرِعًا
دَاعـِيَ الْإِلَهِ إِلَـى الْجِـنَانِ مُخَلَّدًا
فَلَهُ الْهُنَا وَلَنَا العزاءُ فَأَرخُوا
فِي فَقْدِهِ تَبـْكِي الْفَضَائِلُ وَالْهُدَى
كاتب الترجمة: لشيخ محمد أديب كلكل – كتاب الأنيس في الوحدة