الاستاذ هشام الشققي

الأسـتـاذ هـشـام عبـد الهــادي الشـققـي أبو عـزّام

[1345 – 1425 هـ || 1927 – 2005 مـ]

الأستـاذُ المـربـي و الشـاعـرُ المطبـوع ؛ رائـدُ نشيـد الأطفـال

▪تعـريـف عـام بالـعَـلَــم ؛ عائلتـه و نشـأتـه :

  • عَـلَمُـنـا في هذا اللقاء معكـم – أحبتَـنـا الأكـارم – ليس عَـلَـمـاً عاديـاً نمـرُّ قربَ سِيـرَتِـه مرتحلين متابعين سَيرَنـا دون أنْ نقـفَ … بل يحـتِّـمُ علينا العِـرفـان و يدفعُـنـا الفضـولُ و حـبُّ المعرفة لِسِـيَـرِ الأعـلامِ لِـأنْ نقفَ عنـده رافعين له أيدينـا عالياً بالتحية و السلام و التقديـر و الاحتـرام متـزوِّدين من مَعين سِيـرتـه و متنسِّمين عبيـرَ خِصـالـه … فهـو إنْ رُمتَـه أسـتـاذاً مربيـاً فهـو كـذلك ، و إنْ رمتَـه شـاعراً مطبـوعـاً فهـو كـذلك أيضـاً ، و إنْ رمتَـه متحـدِّثـاً أو خطيبـاً مفوَّهـاً مُقنِـعـاً بحُجَجـه و كلامه فهـو ما تـريـدُ و زيـادة على ذلـك ، و إنْ كانت غايتـك دماثـةَ خُـلُـقـه و طيبَ معشـره و خِفـةَ ظـلِّـه و جميلَ تواضعِـه فـهـو الغايـةُ و المقـصـد أيضـاً … فمَـنْ هـو علمُـنـا ؟!

إنّـه الأستـاذ المـربي ( هشــام بـن عبد الهـادي الشققـي ) الذي وُلـد [1345 هـ |1927 مـ] و نشـأ في حي البـاشـورة أحـد أبـرز أحيـاء منطقـة السـوق جنـوبي قلعـة حمـاة ؛ حيث جـاء جـدُّهـم الأكبـر ( السيد خليـل الشقـقـي ) قرابـة عام [1830 م] للإقـامـة في منطقة السـوق تاركـاً منطقة الحـاضـر واختارَ حي الباشـورة مكانـاً للاستقـرار و قـد تزوجَ من آل “جَـمَـال – بفتحتين دون تشديدٍ للميم” ، هذه العائلة – الشقـقـي – التي يميزُهـا الالتزامُ الدينيّ ، و قد خـرَّجـتْ عدداً كبيـراً من الأعلام و الشخصيات نذكـرُ منهـم على سبيل المثال لا الحصـر :

– أخـوه ( الدكتـور مـروان الشقـقـي – رحمه الله -)  الطبيب البارع الذي ترك بصمته الطبيّة داخلَ حمـاة و دول الخليج في تخصُّصه “جـراحـة و علاج الأنف و الأذن و الحَنجَـرة” .

– و أخـوه الأكبـر ( السيـد منيـر عبد الهادي الشققي ) الذي كان مسؤولاً للجباية في بلديـة حمـاة ، و يعـودُ لـه الفضـلُ في إنشـاء خطوط النقل الداخلي في خمسينيات القرن المـاضـي .

– و ابـن عمـه ( الدكتور عبـد الـرزاق الشققي 1928 – 2016 مـ ) صاحب و مؤسس مستشفى الشققي في حي البـاشـورة ، الطبيب الألمـع في تخصّصه “جراحة و علاج الأمراض النسائية و التوليـد” ، و قد حاز رتبـة  الاستشاري الأول في الطب النسائي في المملكة السعوديـة و قد كانت له حظوة في المملكة و على أعلى المستويات ؛ و قد كانت له أيادٍ خيٍّـرةٌ على أهل مدينتـه حمـاة يستذكرونهـا بالخيـر و الدعـاء .

– و ابن عمـه كذلك ( الدكتـور أحمـد الشققي ) الذي شغل منصب مدير صحـة حمـاة فترة طويلةً حتى تاريخ سفره للمملكة السعودية و كذلك استلم إدارةَ مستشفـىً في المملكة ، و نال رتبة الاستشاري الطبيّ و كانت علاقاته كذلك على مستويات عليا نظراً لخبرتـه و براعتـه الطبيّـة ، و قد كان شريك الدكتور عبد الرزاق الشققي في تأسيس مستشفى الشققي .

– و من أعلام هذه العائلة المبرِّزين أيضـاً أبنـاءُ عمّـه ( الحاج المهندس هاني بن فارس الشققي ) مؤسسُ بلدية المدينـة المنوّرة ، و أخـواه  ( الأستاذَيـن المربّيَّين أكـرم وَ مُـفيـد الشقـقـي ) مبـدعـا زمانهما في مادة الريـاضيـات و قد تخرّجَت على أيديـهمـا أجيال متعاقبـة و قد نهلت من معين علمهمـا و تربّتْ على سلوكـهمـا و تديُّنـهمـا و اقتـدتْ بأخلاقهمـا .

– و منهـم أيضـاً السيـد ( منير الشققـي ) أحد أبرز وجهـاء مدينـة حمـاة في زمانه و مؤسس جمعيـة أعمـال البِّـرّ الإسـلاميّـة و دار العجـزة مع شيخـه مفتـي حمـاة ( العـلامـة الشيـخ محمـد سعيـد النعسـان ) ، و ابنـه ( المهندس الزراعي عبد المجيد منيـر الشققي – المعروف بـ مـاجـد الشققي ) صاحب كتاب التراجـم القيّـم ( أعلام و مشاهيـر حمـاة – في مجلديـن ) .

– و منهم أيضـاً ( المهنـدس تميـم الشققـي 1952 – 1982 مـ) الذي استشهـد في ثمانينيـات القرن الماضي حيث كان مجاهداً و من قـادة الشـهيـد المهندس ( مـروان حـديـد ) .

  • و بالعـودة إلـى عَـلَـمِنـا #الأستـاذ_هشـام_الشققي بعد استعراض عددٍ من أعلام عائلتـه لنتابـع في دائـرة عائلته الضيقة ؛ فـأبـوه هـو ( الحاج عبد الهـادي الشققي تـولـد عـام 1885 م ) و قد كان تاجـراً للحبوب و البقوليات و كان محلُّـه التجاري ملاصقاً لجـامـع السلطان في حي الدبّاغـة قبل أنْ يطـوّرَ عملـه و ينتقـلَ إلـى شارع ابن رشـد مقابل مدرسـة التجهيـز – ثانويـة السيـدة عائشـة حاليـاً – حيث فتح محـلاً تجاريـاً كبيـراً ضمّ سلعاً مختلفـة الأنـواع أسماه “محـلّات الشقـقـي ” و هي تشابه في عُـرفِ اليـوم مصطـلـح ” سـوبـر ماركـت ” .

و والـدتـه السيـدة ( كـوثـر التـرمـانينـي ) ؛ أمّـا أخـوالُـه فهـم :

– السيـد سعيـد الترمانيني أحـد مجاهدي الثورة السوري الكبرى مع فوزي القاوقجـي 1925 م .

– و عثمـان الترمانيني كذلك و قد استشهد عام 1931 م .

– و المهندس عمـر فاروق الترمانيني الذي درَسَ الهندسة الزراعية في باريـس ، و قد استلم إدارة الثانوية الزراعية في سلميـة ، كمـا أسّسَ معمـل سكـر حمـص و أصبـح مديـراً لـه .

– و خـالتـه المربيـة الثائرة ( خيريّـة الترمانيني ) التي التقت بالمستشار الفرنسي و قـدّمَـتْ مطالبَ الثـوّار إبـان الاحتلال الفرنسـيّ عـام 1928 غالبـاً ، و هي بالمناسبة زوجـة الصحفي الحمـويّ الثائر ( نجيب الريّـس 1898 – 1952 مـ ) صاحب النشيد الوطنيّ الثائـر الأشهـر و الذي كتبه داخـلَ سجنه في جزيرة أرواد عـام [1922 مـ] رافضـاً الاحتـلال الفرنسـيّ :

 يـا ظلامَ السجن خيِّـمْ

إنّـنــا نـهــوى الظـلامــا

ليـسَ بـعـدَ السـجـنِ إلّا

فـجـرُ مَـجـدٍ يتـسـامـى

  • و قد نشأ الأستـاذ هشـام – رحمه الله – محبّـاً للعلم و أهـلـه مرتـاداً لمجالس العلماءِ ينهلُ من دوحـةِ علومهـم و سلوكهـم و أحـوالهـم ، و قد تتلمذَ على كـلٍّ من العلماء :

– الشيخ العلّامـة محمـد سعيـد النعسان مفتي حمـاة [ 1283 – 1386 هـ || 1867 – 1967 مـ ] حيث كانَ ملازمـاً له حتى غدا مدرّسـاً في مدارسه التي أنشأهـا المفتي في مدينـة حمـاة .

– العلّامـة الشيخ محمـد الحـامـد [ 1328 – 1389 هـ || 1910 – 1969 مـ ] حيث كان مواظبـاً على حضور مجالسه العلمية و دروسه المسائية في جوامـع حمـاة .

– العـلّامة المقرِئ النحـويّ الشيخ سعيـد العبـد الله شيخ قراء حمـاة و العالَـم الإسـلامي [ 1341 – 1425 هـ || 1923 – 2004 مـ ] الذي غدا لاحقـاً رئيس قسم القراءات في جامعـة أمّ القـرى في مكـة المكرّمـة .

– العالـم المـربّي الشيخ أديـب بـديـع كيلانـي [ 1937 – 1982 مـ ] جاره في السكن في حي الباشـورة حيث تشـرَّبَ منه دروسَ العقيـدة و الفكـر و تأثـرَ بفكـره و التزام قضية الأمّة و الذودِ عنهـا .

– العـالـم الشيـخ الفقيـه عبد الحميـد طهمـاز [ 1356 – 1431 هـ || 1937 – 2010 مـ ] الذي يعتبـر التلميـذ الألمـع للعـلامـة الحـامـد و قد صنّفَ المصنّفـات الكثيرة في الفقه و سِـيَـر الصحـابـة و الرجـال ، لعـل أبرزهـا كتابه “الفقه الحنـفي في ثوبـه الجديد” الذي جاء في خمسـة مجـلـدات ، كمـا ترجـم لأستـاذه العلامـة الحـامـد في كتـابٍ مستقل من سلسلة أعلام المسلمين التي تصدرهـا دار القـلـم .

  • إذاً فقـد نشأ علَمُـنـا هشـام الشققي في جـوٍّ من الانضبـاط الاجتمـاعـيّ و الأخـلاقـيّ و الاستقـرار الأسـريّ و التـوجيـه الدينـيّ و الـرُّقـي العلمـيّ بِورودِ منـابِعـه عبـر علمـاء ربَّـانيين أجــلّاء يُـعتـدُّ بعلمِـهـم و يُقتـدى بأحـوالهـم و يُتأسّـى بفعالهـم .
  • زواجــه : تـزوجَ الأستـاذ هشـام الشققـي من السيـدة الكـريمـة ( بهـجـة بنت أحمـد الشققـي ) ، و رُزقَ منهـا بـخمـسـة أبنـاء ، ثـلاثِ بنـات ، و اثنيـن من الذكـور همـا :

– المهـندس محمـد عـزّام الشققي – حفظه الله – و هو ابنـه الأكبـر و المتكني باسـمه .

– محمـد أسـامـة الشققي .

و قـد توفيـت زوجتـه السيدة بهجـة الشقـقـي قبل وفاتـه بثلاث سنوات تقريبـاً و ذلك بتـاريـخ ( 23 رمضان 1423 هـ || 6 كانون أول 2002 مـ ) .

▪#مـلامـح_شخصيتـه :

  • سجـايـاه و طبـاعـه النفسـيّة :

 كـان الأستاذ هشـام الشققـي – رحـمه الله – يتمتـع بشخصية متّـزنـةٍ جـريئـةٍ جمعـتِ الحـزمَ و المـرحَ و اللـطـفَ و الدُّعـابـةَ ؛ فلكـلِّ حـالٍ ظرفُـه من السلوك و التصرُّف و المَـقال .. و جرأتُـه تملي عليه أنْ يتكلمَ بثقـةٍ و أمانـةٍ بعيداً عن المواربات و التماس خواطر جهات أو أشخاص تماشياً مع أهوائهم لذلك تراه يعبِّر عن مواقفه بثبات في إطار من الأدب و الفكـر الناضج المشبَـعِ بالقراءات و متابعة الأحداث .. لذلك لا غرابـةَ أنْ يكـونَ صاحبَ حضـورٍ يتركُ أثـراً في كل مجلس يجلسُ فيه ..

 كان حاضـرَ الوجـدانِ صادقَ العاطفـة لذلك كثيـراً ما كنتَ تسمعُـه يلهجُ بعبارات الألـم و القهـر لمـا حـلَّ بأهـلِ مدينتـه حمــاة أيـام الثمانينيات و ما نالها من قتل و إجرام و دمـار مستذكـراً سيرَ رجال و أعـلام و عوائـل فُـقـدتْ أو قتلـت ، و أحيـاء نُسفـتْ حيثُ كان في تلك الفترة خارجَ المدينـة يعمل في دولـة الإمـارات معلِّمـاً ..

و كـان متـواضعـاً قريبـاً من جميع شرائح المجتمع يُلينُ الجانب للجميع و يجالسُهـم بغض النظرِ عن مستواهم الفكري و العلميّ و الاجتمـاعيّ متحرِّيـاً الظرفَ المناسبَ للتوجيـه و دعـوةِ الناسِ الخيـرَ .

كـمـا كـان إسـلامـيّ القـولِ و الفعـل – كما حـدّثنـا عن ذلك كثيـرون ممَّـن عاصرَه أو عاملَـه – ، ثابتـاً على مبادئ دينـه ملتزمـاً قضـايـا الأمّـة حتى أنفاسـه الأخيـرة .. لذلك لم يرَ أيَّ حرجٍ في التعبيـر و التصريح عن موقفـه من الاشتراكية و العلمانيـة و قد كان خصمـاً عنيداً لدعاتهـا ممـا عرّضه لمضايقات عديـدة …

  • كمـا كان لطيفـاً محبّـاً للأطفـال قريبـاً منهم يجالسُهم و يناقشُهم و يتحيَّنُ الفرصَ لمداعبتهم باثّـاً خلال مداعبـاتِـه توجيهاتِه التربويـةَ الإيمانيـةَ الهادفـة ، و كثيـراً ما تراه يلقى الطفل بوجهه البسّام الضحوك مخاطبـاً إيـاه بعبـارتـه الشهيـرة اللطيفة التي يحفظهـا كل طفـل عاصَـره ” يـا فـرفـروتَ الأنـانـاس ” ، و لعـلّ هذه الجزئية قد شغلـتْ حيـزاً واسعـاً في نفسـه و فكـره فأثمـرتْ نشيـداً راقيـاً للأطفـال حتى غدا من السـابـقين المبـرِّزين في شعـر – أناشيـد – الأطفـال كمـا سنـرى لاحقـاً .

كمـا تميـزَ – رحمـه الله – بخفـةِ حـركـةٍ و نشـاطٍ كبيـرَيـن و عناية فائفة بصحتـه … محبّـاً للمشـي ؛ و شوارعُ حمـاةَ و رصيفُ قلعتِهـا يستذكـرون خطـواتِـه … بـل إنّـك لَتـراه يقضي أغلبَ شؤونـه بنفسـه حتـى داخـلَ بيتـه و كـأنَّ رقـيَ الإحساس في نفسه يُملي عليه ألّا يُثقلَ على أحدٍ و لو كان زوجـه و أولادَه .

  • اهـتمـامـاتـه :

يمكـنُ حصـرُ اهتمـامـات الأستـاذ أبـي عـزام هشـام الشققي بالجوانب التاليـة :

أولاً : أسـرتُـه و أولـاده :  فقد كان يتابعُ أبنـاءَه و يوجههم و يقضي معهم الساعات الطوال و يتحيَّنُ مساحات الإجـازة في عملـه عندما كان يدرِّسُ في دول الخليج للتوجُّـه إلى مدينتـه حمـاة لزيارة عائلته و قضاء الوقت معها موجهاً و مربياً بنَفَس الأب الحنون – قبل أنْ تنضـمَ إليـه أُسرتُـه – متخذاً من حديث الرسول الكريم – صلّى الله عليه و سلّم – (( كلـكـم راعٍ و كلكـم مسؤولٌ عن رعيتـه )) [أخرجه البخاريّ] منهجـاً تـربـويّـاً عمليّـاً .

ثـانيـاً : الأمَّـةُ و أحـوال المسلمين في أي بقعـة من بقـاعِ العـالـم فهو متابـعٌ فوق العادة للأحداث على مستوى العالم يهتـم لأحوال المسلمين و يتألـمُ لهـم و هذا ما تجلَّى في شعـره كمـا سنثبتُ بعد قليـل .

▪#دراستـه_وَ_تحصيـلـه_العلمـيّ :

درسَ هشـام الشققـي الطفـل مرحلتَـه الابتـدائيـة في مـدرسـة (نـور الـدّيـن الشهيـد ) و حصـلَ على الشهادة الابتـدائيـة عـام [ 1935 مـ ] كمـا هـو مثبـت في الوثيقة المرفقـة ( وثيقة 1 – هويـة فحص الشهادة الابتـدائيـة ) . و حصلَ على الشهادة الثانـويّة فـرع “الاجتمـاعيـات” لـدورة عـام [ 1959 مـ ] كمـا هـو مثبَـت في الوثيقة المرفقـة ( وثيقة 2 – الشهادة الثانويـة ) .

و حـاز شهـادتـه الأولـى في التعليـم و هي “أهليـة التعليـم الابتـدائـيّ – الصـف الخـاص”عـام [1962 مـ]

ثـمّ توجّه إلى جامعة دمـشـق و درس في كلية الحقـوق غيـر أننـا لـم نهتدِ لتحديد عـام التخـرُّجِ بدقـة و الذي هو بعد عـام [ 1963 مـ ] غالباً ( وثيقة 3 – بطاقة الطالب جامعة دمشق – كلية الحقوق ) .

كمـا سجَّـل في كلية الآداب –  قسم اللغة العـربية في جامعـة دمشـق للعـام الدراسي 1971 – 1972 و درسَ السنـة الأولـى فقـط غير أنّـه لـم يتـابـع .

  • و بالعـودة إلى ما أثبتنـاه أعـلاه نجدُ أنّ الأستاذ هشـام الشققي قد جمـعَ بين التعليم الأكاديمـيّ التخصُّصي و مجالـس العلماء الذين لازمَهم و تتلمذَ على أيديهـم و نهل من علومهـم و ربّـانيتـهـم على طـريقـةِ أغلبِ رجـالِ ذلك الجيـل .

▪#عمـلـه_وَ_أسفـاره :

  • لقـد قضـى الأستاذ هشـام الشـققـي أغلب حياته العمليـة في حقـل التربيـة و التعليـم و الذي دخـلَـه مبكـراً حيثُ بدأ مسيرتَـه التعليمية عـام [ 1950 مـ ] غيـرَ أنَّ انطلاقتـه الفعليـة كانـت عـام [1952 مـ] مـن المدارس التي أنشـأهـا شيخُـه مفتـي حمـاة الشيـخ ( محمـد سعيـد النعسـان ) و تحـديداً من مدرسـة ( أبـو الفـداء – جانب زاويـة العـزي آنـذاك ) و التي كانت إحـدى أعمـال جمعيـة أعمـال البّـر الإسـلاميـة ، و بإدارة كـريمـة من الشيخ ( صـالـح الكَـرم 1884 – 1974 مـ ) – انظر وثيقـة 6 – .

و تابع مسيرتـه الحافلة في التربيـة و التعليـم خارج سـوريـة حيثُ ارتحلَ إلى المملكة السعودية شمتعاقـدَاً مع وزارة المعارف فيهـا ما بينَ عـامَـي [1962  – 1967 مـ ] ؛ قضى سنتين دراسيتن منها في الـتـعليم الإبتـدائـي ؛ و سنتين دراسيتيـن في معهـد إعـداد المدرسيـن في مـدينـة الطـائـف ، و سنـةً خـامسـةً عمـلَ فيهـا مُـشرِفـاً على الأنـاشيد المـدرسيـة في إدارة التعـليـم بـمكـة المكـرّمـة … و كـان يدرِّسُ المـواد التـاليـة : اللغـة العـربيـة و الجغـرافيـا و الخـط العـربـي و الريـاضيـات الحـديثـة و بقيـة المـواد الدراسيـة مع عنـايـة خـاصـة بـ أنـاشيـد الأطفـال في دروس الأنشطـة التربـويـة ( انـظر وثيقة 4 – طلب التعليم في دولة الكويـت ) … و تقديراً لجهوده في المملكة السعودية فقد كرّمتـه وزارة المعـارف في المملكة ممثلةً بمديـر المدرسـة السعـوديّـة في الطـائـف بوثيقة تُـظهـرُ فيهـا فضـلَه و مناقبَـه قالت فيهـا :

(( إنّ المدرّس هشام عبد الهادي الشققي هـو من خيـرة المدرّسين بالمدرسة ، و محبّ لعمله و مثال المدرس الناجح في أداء واجبِه كمُـربٍّ للنشءِ و قدوة حسنة لهـم ، و مثال الأخلاق الفاضلة و التعاون مع إدارة المدرسة . و الإدارةُ تُعطيه هذه الشهادة تقديـراً لجهـوده الطيبـة . )) – انظر وثيقة 5 –

ثـم عـادَ إلى سـورية الشام معلِّـماً و موجهـاً في عدد من مدارس حمـاة حتى عـام [ 1975 مـ ] ، ليعاودَ السفـر مرةً ثانيـة و لكـن هذه المـرّة إلى دولـة الإمـارات المتحـدة حيث عملَ كذلك معلماً في مدارس إمـارَتـي أبـو ظبـي وَ دُبـيّ الخـاصـة منهـا و الحكـوميـة و حققَ نجاحـاً و حضـوراً كبيـرَيـن في الحقل التربويّ ؛ و غدا من الأسمـاء التي يُشار إليهـا في مجال التربيـة و التعليـم ، و هنـاك نَـسَجَ أجملَ أناشيـد الأطفـال و أروعَـهـا ، و انضمـتْ إليـه أسـرتُـه عـام [ 1981 مـ ] و بقي في دولـة الإمـارات حتـى عـاد إلـى مـدينـة حمـاة عـام [ 1993 مـ ] ، و بقي فيهـا حتى وفـاتـه رحمـه الله .

  • و بعد عـودتـه و استقراره في حمـاة أخـذَ يمارسُ بعض الأعمـال التجاريـة كتجارة الزيـت و الألـبـان و كذلك العـقـارات و غيـرهـا مستثمـراً خبرتَـه في مجال التجارة التي كان قد اكتسبهـا صغيـراً من والـدِه التـاجـر ، و كان متحـرِّيـاً للحـلال في تجـارتـه ينفـرُ من شُـبَـهِ الحـرام فضـلاً عن الحـرام .. و مَـن عاملـه في المال و التجارة يعلـمُ صـدقَـه و حنكتَـه و فطنتَـه فلا يستطيـعُ أحـدٌ خـداعَـه في مفاوضاته التجاريـة ..

كما كان لـه حضوره و نشـاطـه الاجتمـاعـيّ داخـل مـدينتـه حمـاة مشـاركـاً في أغلب المناسبـات العامة و الخاصـة ملقيـاً الشعـرَ الهـادفَ و مُجلّيـاً الحقائقَ ، و ساعياً بصمـت في أبـواب الخيـر و الإحسـان .

▪#هشـام_الـشـقـقـي_الشّــاعـر :

  • لقـد ملكَ حبُّ الشعر كيـانَ الأستاذ هشـام حتى داخَـلَ نفسَـه و وجـدانَـه ، و امتدَّ في جميعِ أروقـة روحِـه ، و لازمَـه في أزقـة حياتِـه حتى غدا صاحبَـه الذي لا يملُّـه ؛ يحمِّـلُـه أفكـارَه و أشجانَـه و آمـالَـه بأسلوبٍ راقٍ هـادف … لذلك تـراه في كل أوقـاتِه حاملاً لـدفـتـر صغير في جيبـه و قـلـم يسجِّلُ فيه ما تأتيـه من خواطرَ شعـريـةٍ ، أو ما ينقـدحُ معه فجـأةً بعد طول انتظار عَجُـزُ بيت طالمـا فكّـرَ فيـه فيسعفه الإبـداعُ و هـو يسيـرُ في الطـريـق أو خلال حـديثه مع أحدِ الأشخاص في مكان مـا … بل ربمـا انتفضَ مـن نومـه ليـلاً ساحبـاً دفتـرَه من تحـت وسـادَتِـه ليعاجلَـه بتحبيـرِ ما جـادتْ بـه قريحتـه في موضـوع مـا طالمـا أهمَّـه و أعمـلَ فكـرَه و وجـدانـه و عاطفتـه فيـه … فيسجـلُ دفقـه الفـكـريّ العاطفـي في أبيـاتٍ شعـريّـة – طـالت أو قصُـرت – ثمّ يعـودُ إلـى نومِـه … و إذا ما فكّـرَ في موضوع أو قصيـدةٍ فـإنـه يأخـذُ عليـه كيانـه و من طرائفـه في هذا السياق أنّه كان يسيرُ حول قلعـة حمـاة الشهيـرة ذات يوم و هو مندمـجٌ في التفكـيـر في قصيـدةٍ فَـداسَ على قطعة زجاجـية دون أنْ ينتبـهَ و يشعـرَ متابعـاً سيـرَه و تفكيـرَه حتى بدأت قدمـه تنزف فلـم ينتبـه إلا بعـدَ مـدة و قد أنهى سيـرَه و تفكيـره و ذلك عندمـا لاحظَ أحـدُ معارفـه نزفَ قدمـه فنبَّهه و اتخذوا الإجراءات المناسبة و قد كانت الزجاجةُ مخترقةً الحذاء حتى أسفل قدمـه فتسببت لـه في النزف … و كم كان جواب الأستاذ هشـام لطيفاً عنـدمـا سألـه صـديقـه : أما شعرتَ بألم النزف ؟ : ” لقـد كنـتُ مستغرقـاً في التفكيـر بقصيدةٍ جـديـدة و ما شعـرت بأي ألـم !!” …

إذاً لقد جعلَ الأستاذ هشام الشعـرَ سجِلَّاً يُسجلُ فيه كل مجريات حياته في أدقِّ تفصيلاتـها الاجتمـاعيـة و همـومـه و أفكـاره و رؤاه لنهضة الأمّـة و إعـداد جيـل التغييـر تربيـةً و بنـاءً و ارتقـاءً وصـولاً لعَـوْدٍ جميـلٍ لحضـارةِ هذه الأمّـة .. هذا هو الهـمُّ الأكبـر الذي سيطـرَ على أستـاذنـا الشـاعـرِ أبـي عـزام ؛ تربيـةُ الجيـل الذي يتحققُ معـه – بإذن الله – التقدُّم الحضـاري علمـاً و أخـلاقـاً و قـوةً .

 إذاً لقـد كـان الشعـرُ وفقَ رؤيـة الأستاذ هشـام الشققـي رسـالـةً تـربـويـة هـادفـةً ركـائـزهـا الديـنُ و الأخـلاق و العـلـم ، و نسغـاهـا القـرآن و السُّنّـة ، و ساحتُهـا الجيـلُ و النـشء ، و ثمـرتُهـا “الاستـراتيجيـة” النهـوضُ و الحضـارة و الريـادة … و هذا ما سنراه جليـاً في النمـاذج التي سنستعرضهـا من أشعـارِه .

  • و إذا انتقلنا إلى الأغـراض الشعريّـة التي تناولهـا الأستـاذ هشـام الشققـي فإنّنـا لا نستطيعُ تحديدَهـا بدقـة سيمـا و أنّ أغلبَ تراثِه الشعـريّ لا زال طيّ الكتمـان لم يأخذ طريقَـه بعـدُ إلى دور النشـر غيـرَ أنّنـا نستطيعُ حصرَ أغـراضِه الشعريـة على ضوء معرفتنـا به و ما وصلنا من قصائـدَ و أنـاشيـدَ و التي سننشرهـا لاحقـاً من هذه الدراسة في :

أولاً : شـعـر الأطفـال الذي أبدعَ فيه بلغـة سهلة لطيفـةٍ بعيدة عن التكلُّف و الإغـراب في الألفاظ و العبارات .. أناشيد للأطفـال جميلةُ المعنى ، رشيقـةُ المبنى ، إيمـانيـة التربيـة و المفهـوم …صاغهـا من وحـي فكـره و مخزونـه التربـويّ التعليمـيّ الهـادف في أنغـام موسيقـيـة جـاذبة للطفـل تخالطُ روحَـه و وجـدانَـه لتـكـونَ أساسـاً في بناء شخصيتـه إيمـانيـاً و تعليميـاً و توجيهـيّاً بنصـائح اجتمـاعيـة و صحيـة يتشرَّبُهـا عقـلُ الطفـلِ و وجدانُـه .. طبعـاً كـلُّ ذلك مـردُّه لقـربـه من عالم الطفـل حيثُ كان يناقشُهم و يحاورهـم و يقتـربُ منهـم كما أثبتنـا ذلك في ملامـح شخصيتـه – رحمـه الله – ..

و لا نبالغُ إذا قلنـا : إنّ أغلبَ الأناشيد التي انتشرت على القنوات الفضائيـة و الإعـلام ملحنـةً بإيقاعات موسيقـة إنمـا تعودُ للأستاذ هشـام غير أنهـم تغافلـوا عن ذكـرِ اسم الشاعـر المؤلـف لجهلهـم به أو لم يتكلّفوا عناء البحث و السؤال !! على سبيل المثال لا الحصر ذاك النشيد الذي حفظنـاه في روضات الأطفـال مُـذْ كنـا صغـاراً و لحنَتْه و تناقلتْه القنوات الفضائيـة لاحقـاً :

– يـا أطفـال يا حلـويـن اشربـوا الحليب

– للصّحَّــة و الـقُــوة اسـألـوا الطبيـب

– اشــربْ علـى مَـهْـلـكْ

و اشـكُـرِ الإلــه

– لازم تُــشــكُــر ربَّــــك

أبـداً مـا تنـسـاه

ثـانيـاً : الالتـزام بقضـايـا أمّتـه و استشراف مستقبل التغييـر و بنـاء الحضارة … فتجد في شعره دفاعـاً عن القيـم الحضاريّة الإسلاميـة و رفضـاً للظـلـم الاجتمـاعـيّ ، و دعـوةً للـرقـي الأخـلاقـيّ و التـزام نهـجِ القـدوةِ الأسمى نبينـا محمّـدٍ – صلّى عليه و آله و صحبه و سلّـم – و أعلام ديننا الذين حققوا بإخـلاصِهـم التقـدمَ و العـزةَ لهـذه الأمّـة ، ناشـراً في شعـره مفهـوم الأخـوة الإيمـانيّـة ؛ فحـالُ المسلمين في أي بقعـة من بقـاع الأرض تهـمُّ أي مسلم و في أي جهـة كان – كما سنرى في النماذج اللاحقـة – .

  • لا نستطيعُ الإضـافة أكثـرَ في حيـز الأغـراض الشعريّـة للأستاذ هشـام حيث لا نملكُ رصيـداً كافيـاً من شعـره ؛ لذلك نستثمـرُ هذا المقام لحـثِّ ذويـه و دفعهـم إلى العنايـة بشعـر الأستاذ هشـام الشققي و إخراجِـه إلى ساحـة النشـر ليتعـرَّفَ الحمـويـون – و النـاس عـامـةً – إلى فكـر و إبـداع و تراثِ عَـلَـمٍ من أعـلامِ حمــاة .. و ليأخـذَ الباحثون المتخصصون في مجالَي اللغـة و الأدب و علـم الاجتمـاع دورَهـم في البحـث و الدراسـة لهذا التراث … سيّمــا و قـد حـدّثنـا أكثـر من شخص ممن عاصـرَ الأستـاذ أبـا عـزام و سمعَ منـه كثيـراً من قصائده أنّـه – رحمه الله – في جعبتـه شعـر سياسيّ كثيـر بعيـد المرامي عميـق المعانـي لم يـرَ النـورَ بعـد …

#نمـاذج _مـن_أشعــاره :

  • أنـاشيـد الأطفــال :

نشيـد “دينُـنــا”

– دينُنــا عِـلـمٌ و عِــزٌّ و ســــلام

– دينُنـا للكـونِ مصبـاحُ الظـلام

– دينُـنـا نصــرٌ و فـتـحٌ و وئــام

– دينُـنــا بَـعْـثٌ كــريـمٌ لـلأنـــام

و قد كان هذا النشيد من أناشيده الشعريـة الذي قُـدمتـه فـرقـة الأناشيـد في المملكة العربية السعودية في الحفل الختامي للمدرسـة التي كان يدرِّسُ فيهـا في مـدينـة الطـائـف ، و قد كان لإدارة المدرسـة هـذا التعلـيـق على النشيد “دِيـنُـنـا” بالآتـي :

(( أقامت المدرسةُ السعوديّة بـالطائف حفلَـها السنويّ ، و كان حفلاً رائعـاً تجلَّتْ فيه قدرةُ الزَّهَـراتِ الصغـار على الإنتاج و على الاستفادة من التوجـيه الهـادف ..

 إنّّ التربيةَ الحديثةَ ترمي إلى تكوينِ الشخصيةِ و دعـمِ الأخلاق و المُـثُـلِ لإيجـاد جيـلٍ صالـحٍ قـويّ البنية ، حـصيفِ العقـل ، قادر على خـدمة أُمّـته .. و لكنّـها لا تتعرضُ لقلبِـه تُحييه بالإيمانِ وتُـمـدُّه باليقيـن ؛ فَـسدّتِ المدرسةُ السعوديّـةُ هذا الفـراغَ الهائـلَ و نقلتـنـا إلى جـو عَـبِـقٍ نـديٍّ من أجـواءِ الوحـي السـماويّ ، فكانتِ الكلماتُ مستـوحـاةً مـن مـشكـاةِ النُّبـوة ، و كان التعليـق يصـلك بحجـر الرسـول الكريم حيث هواتـف الوحي ونوازع الخـيـر و ومضات العبقــريّـة … فهـذا نشيدُ ( دينُـنــا)   بعـثٌ كريمٌ لعزتِـنـا ، و إثـارةٌ حية لنخـوتنـا ، و تعزيـز لمكانتـا.. نشيد هـزّ الأوتار و شحـذَ الـهِـمَـمَ و أذكى العـزائـم ، و ربـطَ المسلـمَ ربطـاً مُحكـمـاً بعقيـدته ،  وشـدَّه شـدّاً وثيـقـاً بـدعـوتِـه …. فهــو ليسَ ديـنَ خنــوعٍ و لا ميوعـةٍ ولا تشـدُّقٍ ؛ بـل ديـنٌ حـافـزٌ دافــعٌ بَـنَّــاء ..))

  • و من جميـل أناشيد الطفـولة أيضـاً قصيـدة مطـولـة نقتبسُ منهـا هذه الومضـات الإيمـانيّـة :

– مـن قـرآنِ الفجــرِ نهلْـنــا

و تـــزودنــا مِــن نــعـمـــاه

– و تـربَّـينــا و تــوحَّــدْنـــا

و تـســلّحـنــا بِـســـجـايــاه

– فـنـبـذنــا الشِّـركَ و آمـنّــا

بـاللَّــهِ نُــســـبِّـحُ بِـــعُـــــلاه

  • و من قصـائـده الشعريّـة الموجهـة للأطفال تربيـةً و توجيهـاً لهـم مقطوعتُـه التي خصهـا في حثّ الأطفـال على الصـلاة و تحبيبهـم بهـا بلغـة سهلـة و كلمـات محكيـة قريبـة :

صـار عمـري سبع سنين

أولُ ســــنِّ الــصــــــلاه

يــا أبــي كُــن أمــيــــن

و احـفــظ شــرع الإلــه

خدنـي معـاك للـجـامــع

أركـــع أســــجــد لـلـــه

هــديُ الرســولِ الرائــع

يـا عيـنــي مــا أحــــلاه

  • قصـائـده الـطويـلـة التي تحمـلُ هـمّ الأمـة و المجتمـع :

لقد اقتربَ الأستاذ هشـام بشعره إلى أدقّ دقائق حياة الناس ففي هذه المقطوعة يقدمُ حالةً واقعيـةً من صميم المجتمـع بثوب من الانفعـال الوجدانيّ الصادق عنـدما يصور حالـة المـوظّف الفقيـر مقدمـاً فلسفتَـه في نهـايـة قصيدتـه التي تقوم على أنّ الفقر و التضييق على الموظف في راتبـه ما هـو إلّا فـتـح لبـاب الفسـاد الإداري و الوظيفيّ حيث يقولُ متعجباً من صبـر المـوظـف على الفقـر :

– صبـرُ الموظّفِ حطَّـمَ الأبـعـادا

و الفـقــرُ لاحَ و هـيَّـجَ الاحقــادا

– و الجوعُ خيّمَ بعدَ صمـتٍ كافرٍ

مـتـبـرِّمـاً مـمّـــا مـضـى و ازدادا

– عجبـاً من الليلِ الطويلِ أَمَا يرى

بـرصـيـده الأهــوالَ و الأطـــوادا

– و كأنَّ جُـلَّ الأغـنـيـاء تـوعّــدُوا

أنْ لا يُـغيثـوا في الحِمـى إجهـادا

– مَـنْ لِلفضيـلةِ إنْ نسـينـا دِنَــنـــا

مَـنْ للـكـرامـــة و الإبــاءُ تُـنـــادى

– للسـائـلِ المحــروم حــقٌّ مـاثـلٌ

لابــــدّ مــنــــه لِــمَـــنْ أرادَ وِدادا

– دخــلُ الفقـيـر بـراتبٍ متواضـعٍ

هــزلٌ مــريــع ينـشــرُ الإفـســادا

– كــلُّ الـمـظــالـم دونَ ربــانـيّــةٍ

لا تــعــرفُ المـأســاةَ و العُــبّــادا

  • و مع قصيـدةٍ من أجـلِّ و أجمـلِ قصـائـده الراقيـة نختـمُ هـذه النماذج .. قصيـدة عنـوانـهـا ” و أنْ ليسَ للإنسـانِ إلّا مـا سعـى ” :

– حتى يعــودَ لهـذا الـدّيــنِ مـاضـيـه

و تـلـتـقـي فـي مـراقـيـه مــواضـيـه

– لا بُــدَّ مـن عـــودةٍ لـلّـهِ صـــادقـــةٍ

و تــوبـةٍ تُـرجــعُ الـســاري لـبـــاريــه

– أسـوقُ مـن قصص القـرآنِ موعظـةً

لـكــلِّ عـبـــدٍ تـمــــادى فـي تـــردِيــه

– و لـيـتَ دعــوةَ نـوحٍ لابـنـه تـركـتْ

آثـارَهــا …فـغـدا الطُّـوفــانُ يـطـويـه

– هــذا يـظـنُّ بأنَّ الـمــالَ يـعـصــمُــه

و ذاكَ يَـحـسـبُ أنّ الطَّــودَ يَحـمـيـه

– قـولـوا لِــمَــنْ هجـرَ القرآنَ مفتـتـناً

بـرأيـه : إنّ هــذا الـهـجـــرَ يُـشــقـيـه

– كـأنَّ شـكـوى رسـولِ اللهِ ما قـرعـتْ

آذانَ قــومـي و لا هـــزّتْ مُـحــبـيـــه

– فكـنْ علـى مستـوى الإسـلامِ داعيـةً

للّـه مـا دُمـتَ مـولــىً مــن مــوالــيــه

– غـداً سأسألُ عن سمعي و عـن بصري

و عـن فــؤادي عن دنيـايَ عـن تيـهــي

  • ••

– أنــوارُ مـولــدِ خـيـرِ الخَـلــقِ زاهـيـــةٌ

و الشّـعــبُ من جهلِـه يشـكــو مـآسـيــه

– و الفـقـرُ و المـرضُ الملـعـونُ خيّـمَ فـي

أوصــالِـــه لا يــرى عِـلــجـــاً يُــداويــــه

– و اهتـزَّ مجتـمعُ الشٍِركِ المسيطـرِ عـن

بـشــائــرِ النُّـورِ تُـحـي عــهـــدَ حـاديــه

– و أشـرقـتْ دعـــوةُ الـهــادي مـلـبـيــةً

و جــاءَ جـبـريـلُ بـالـتـنـزيــلِ يُحـيـيــه

  • ••

– الســيـلُ يـجـرفُ فـي تـيـارِه زَبَـــداً

يمضـي جـفـاءً و كـلُّ النّـفـعِ يُرسـيـه

– و في وجـوهِ شبابِ اليومِ ألمـحُ مَـنْ

يــرنـو إلـى الأمـلِ الـمــرجــوِّ يبـنـيــه

– و لـيسَ يُغنيـه عـن أُخراه ما جمـعَـتْ

يــداه و الـقـلـبُ مــوصــولٌ بِـهــاديــه

– و فكـرُه في غـمـارِ الـحـقِّ منصـهِــرٌ

على طــريـقِ رســـولِ اللـهِ يُـجـريـــه

– و مــالُــه في سـبـيـلِ اللـهِ يـبــذلُـــه

و فـي بـنــاءِ بـيــوتِ اللـهِ يُســـديـــه

– و لا ينــامُ عـلـى ضـيــمٍ بـسـاحـتــه

بالرِّفــقِ و الحــزمِ و التّـقـوى يُلاقـيــه

  • ••

– مـاذا دهـى أُمّـةَ المخـتـارِ ؟ أيـنَ غـدَتْ؟

و هـل لهـا هـدفٌ فـي الكـونِ تُـحـيـيـــه ؟

– كــانـتْ علـى مـســرحِ الـتـاريــخ رائـــدةً

فأصـبحَـتْ تـتــوارى في مـلاهــيـــه !!

– مظـاهــرُ الدِّيــن لا زالــتْ تُـواجـهُـنـــا

بــواقــــعٍ ما عـــرفــنــــاه بـمـاضــيــــه

– كسـرى و قيصـرُ مـا عـادا لِـحـاضــرنـا

إلّا و وَسَّـــعَ صــهــيــونٌ صـيـــاصـيــــه

– فــلا حلـيـفــي تـهـــوانـي عـقـيــدتُـــه

و لا عـــدوي تُـبــكــيـنـــي مــآقــيــــــه

– لا يصلُـحُ الناسُ فوضى و الكتابُ حوى

حَـــــلَّاً لأســــــوأِ إذلالٍ نُــعـــــانــيــــــه

▪#مـواقـفــه :

لـو حـاولنـا حصرَ المواقفِ التي مـرَّ بهـا الأستاذ هشـام الشققي سواء أكـان مؤثِـراً مباشراً في الموقف أم مشاركـاً فيـه فإننا لن نستطيعَ لذلك سبيلاً لكننا ارتأينـا تقـديـم شذرات من مواقفـه نستحضرُها معكم :

  • في موقف فكاهـيٍّ طـريـف جلسَ الأستاذ هشـام ذات ليلةٍ صيفيـة إلى شابَّين يلقي عليهما بعضـاً من أشعاره و يتبادلون النقاش في عدة قضـايـا فكـريّـة فأعجـبَ الشابان بشعر الأستاذ هشام أيمـا إعجاب و بطريقـة إلقائـه فقال له أحـدهمـا – و كان أول مرة يجالسُـه – : ” عـم لمـاذا لا تنشـرُ شعـركَ .. لأنْ ما شاء الله شعـرك جميـل … قوي ؟!” فكان ردُّ الأستاذ هشـام ” كُـل مـا أكتبُـه لا يصلُـحُ للنشـر !!” ففهـم الشاب مرادَه و رد عليـه بسرعة و دهـاء ” و لكنّـه يصـلُـحُ للنشـر – و أشـار إلى رقبتـه – ” فضحك الحاج أبو عـزام و قـال لـه ” نعـم بالضبـط ” و لعلَّ هذا الموقفَ يدعـم ما ذهبنـا إليـه من وجـود شعـر سياسي في تراث الأستاذ هشـام لم يخـرج إلى حيز النشرِ بعـد .
  • و التقى ذات مرة بشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة و كان يستعينُ بعكازتين في سيره حيثُ أنّه مصاب بـ “شـلل الأطفـال” منذ صغره فجلسَ معه الأستاذ هشـام بعد أنْ سلّمَ عليه و استأذنَه للجلوس بتواضـع جـم و احـتـرامٍ كبيرَين .. و جرى بينهمـا الحوار التالي :

– كيفَ تقضي شؤونـك .. هـل يساعـدك أحـد ؟

– الله يعيـنُ .. لله الحمد فأنـا متأقلم مع وضعي و أحمد الله أنْ أكرمني بالقوة و العزيمـة فأنا أقضي كل شؤوني بنفسي ؛ بل إنني قضيت خمس سنوات أسافـر إلى حلب لدراسـة الهندسـة بمفردي و كله بتوفيق الله و حفظه و تيسيره … فقاطعه الأستاذ هشام بقولـه :

– هل انت مهنـدس ؟!

نعم … درست الهندسة الكهربائية في جامعة حلب ، و كما تراني حالياً أصقُلُ معلوماتي و دراستي الجامعيـة بخبرة عملية في مجال تخصُّصي ريثمـا تتهيأُ لي فرصـة عمـل حكومي في اختصاصي حيثُ تقدمتُ إلى مسابقة و أنتظر صدور النتائج ..

فدهش الأستاذ هشام من عزيمته و طموحـه و إشـراقـة وجهه .. و عاجلـه مثبِّتـاً لـه بكلماتٍ تشجيعيـة راقيـة و التواضـع يأخـذُ عليه نفسـه و جلستَـه :

” و الله يـا أخي أنْتَ حُجّةٌ علينا بـل أنـتَ قـدوةٌ لي و لأمثالي و أنـا أتعلـمُ منـكَ … أنتَ رغـم وضعكَ هـذا تعمل و تجـد و تسعى في دروب الحياة و الإنجـاز بهمـة و اقتـدار ..  بـل و تواظب على الصلوات جماعـةً في المسجـد .. فلله درُّك مـا سـرُّ هـذه الابتسامة التي لا تفارق وجهـكَ !! حفظك الله و سددك و أعظـمَ أجـرَك …”

  • و جـاءَه مرةً أحـدُ عناصر الأمـن يريد التحقيق معه تحقيقاً روتينيـاً عن قضايا قديمة و عن شخصيات من عائلته خارج البلد على الطريقة المعتادة في مدينة حمـاة من تسلط أجهزة الأمن فاستقبله الأستاذ هشـام بالترحيب و بادرَه السؤالَ عن حاله بأسـلوبه العجيب ، و من أيّ قريـة هـو ، و كـم هو راتبـه ، و هل يكفيـه ، و كيف هي علاقتُـه بأسرتـه و والـده … و أسئلة كثيـرةٌ أخـرى جعلتْ عنصر الأمـن يفتح قلبـه للأستاذ هشام و يبثه أشجانه – على غير المألوف – و كيف أنّ راتبه المالي لا يكاد يكفيه و أنّه في خصام مع والده حيث لا يعطيه من راتبـه الذي هو بالكاد يكفي عائلته …. و استمر الحديث أكثر من ساعة و الحاج أبو عـزام يناقشه و يحقِّقُ معـه مستجرِّاً منه المعلومات و يحثه في الآن ذاتـه على التواصل مع أبيه و التحذير من العقوق .. في صورة قلبت الواقـع فجعلـت الأستاذ أبـا عـزام هـو المحقِّـق و ليس عنصر الأمـن الذي خرج من عنده دون أنْ يسأله أيَّ سؤال !!
  • و ذكرتْ الـدكتـورة عـائـدة الأصفـر – حفظهـا الله – موقفـاً طريفـاً للأستاذ هشام و ذلك في تعليقٍ لهـا على إحدى الصفحات التي تتناول تاريخ حمـاة و تراثهـا يتلخص الموقف بقيام ثلاثـة طلاب من الصف الرابـع بسرقـة جميع عِصـيّ المدرسة و رميهـا و كان ذلك عـام [1958 م] في مدرسة ( أبو الفداء للذكـور ) جانب زاوية العزي آنذاك إحـدى مدارس جمعية أعمال البِرّ الإسلاميّة ، فكلّفَ مديرُ المدرسـة (الشيخ صـالـح الگرم – رحمه الله – ) الأستاذ هشـام الشققي الذي كان معلِّمـاً في المدرسة – كما أثبتنا ذلك في محور عمـله و أسفاره – بكشف هوية الطلاب المشاغبين ..و فعلاً تـمّ ذلك و عُـرفَ الطلاب الذين قاموا بهذه الفِعلـة ، و ارتجـل الأستاذ هـشام بيتـاً من الشعـر من وحي الموقف :

ضربُ العصا عندَ العصاةِ ثـقيـلُ

إنَّ الـكـســولَ بِـذنـبِـه مـقــتـولُ

و طلبَ منهم كتابةَ البيت ألف مرةٍ في صورة عجيبـةٍ لطيفـةٍ مبدعـة من صـور العقاب التربـويّ الهادف !!

  • و من مواقفه اللطيفة المبدعة في آنٍ معـاً موقفٌ تتجلّى معه قدرتـه الشعريـة و براعتـه في نظم مجريات حياته و ما يمر فيه من أحداث شعـراً يمكنُ أنْ يكون في مرحلة لاحقـةٍ توثيقاً للحدث ..و ذلك أنّ الأستاذ هشام كان عنده قضية في المحكمة حول أرض إرث كبيـرة تعرفُ بـ “أرض العنـز” استمرت القضية مرفوعـةً في المحاكـم أكثر من خمسٍ و عشرين سنةً دون أنْ يتمَّ البتُّ فيهـا و مـات على امتداد تاريخ القضية خمسةُ قضـاة .. الشاهـد في الموقف أنّ الأستاذ هشـام كان في كل جلسة يحضِّرُ مرافعته بنفسـه شعـراً – و بحضور المحامي الموكَّل – مفصِّلاً القضية و حيثياتهـا من أدلـة و براهين في قصائد طويلة يلقيهـا أمام القضاة الذين تعاقبوا على القضيـة وسط ذهول القضاة و إعجابهـم .. و في تراثـه الشعري – رحمه الله – قصائد مطولات في قضيـة “أرض العنـز” .

▪#وفـــاتـــه – رحـمـه الله – :

كـان الأستـاذ هشـام الشققي يعاني خـلال العشر سنوات الأخيـرة من حياتـه من مـرض الـرعـاش أو ما يُـعـرَف بـ “داء باركنسـون” و هـو مرضٌ يُصيب الجهـاز العصبيّ ، غير أنّه كان تحتَ السيطرة إلى أنْ اشتدّ عليه وطـأةُ المـرضِ في أُخريات أيـامـه رحمـه الله فأُدخـلَ بسببه المستشفى مرتين قبيل وفـاتـه إلـى أنْ شاء الله سبحانه أنْ يقبضَـه خفيفـاً دونَ أنْ يُثقـلَ على أحدٍ صبـاح يوم الجمعـة [ 25 ذو الحَجّة 1425 هـ المـوافـق لـ 4 شبـاط 2005 مـ ] حيثُ صُلِّيَ عليـه عصـر الجمعـة في جـامـع ( نـور الديـن الشهيـد – النـوري ) الأثيـرِ إلى قلبـه و الذي نشأَ فيه و ترعرعَ على يدي شيخـه المفتـي ، و دُفـنَ في مـدفَـن العائلـة في مقبـرة ( الصفــا ) …  و قـد كـان يـردِّدُ في أيـامـه الأخيـرة عبارَتـه التي حفظهـا كـل مـن لازمَـه : (( الـدنيـا جيفـةٌ و طُـلَّابُهـا كـلاب )) .

رحمـه الله و غفـرَ لـه و أجـزلَ لـه العطـاءَ مـع القَـبـول .

▪هـذا مـا استطعنـا تحصيلـه و جمـعَـه و مـا وُفِّقنـا إليـه في تـرجمـة الأستـاذ الشـاعـر هشـام عبـد الهـادي الشقـقـي ، و مَـن لديـه إضـافات و متـابعـات من ذاكـرتـه في إطار شخصية العَلَـم و مواقفه و تاريخ حمـاة فليثْبتْهـا مشكـوراً في التعليقات و ستكون محـطّ متابعـة و اهتمـام من قبل إدارة الصفحـة .

  • و لا يفـوتنـا أنْ نتقـدّمَ بالشكـر المطيّـبِ بالتقـديـرِ و الاحتـرامِ لِـ ( المهنـدس محمد عـزام هشام الشققـي – حفظه الله – ) و عـددٍ من أقربـاء علَـمِـنـا -آثـروا عـدم ذكـر أسمائهـم و احتـرمنـا رغبتهـم- لتفاعلهم المثمـر مع فريق الصفحـة و تحليهم بالأمـانـة و الضبـط و التحـري عنـد سؤالهم عن أيّ تفصيـل في سيـرة العَـلَـم ، و لِمَـا أمـدُّونـا بـه من وثـائـق تاريخيـة من أرشيفهـم .

__________________

خـاص صفحـة

#تـراجـم_أعلام_حمـاة_و_أعيـانها

إعـداد فـريـق الصفحـة بـإشـراف الأستـاذ مُـلهـم الشّـريـف

____________________

مصـادر التـرجمـة :

– لقـاءات متعددة لأشخاص ثقـاة ممـن عـاصـر الأستاذ هشـام الشققـي من أصدقاء و معـارف و أقربـاء و مثقفيـن ..

– متابعـات خاصة من قبل فريق الصفحة مستثمرين معرفتهم السابقة بـه – رحمه الله و غفر له –

كاتب الترجمة: نقلا عن صفحة أعلام حماة و أعيانها