المهندس و الأديب عبد المجيد محمد منير الشققي

 

ولادته ونشأته ودراسته :

أعرض ما كتبه هو عن نفسه في كتابه : ( حماة : نهر ونواعير وأنين شوق وأشجان وحنين ) يقول المهندس عبد المجيد الشققي :

(في حماة وفي حي الباشورة وفي أيار عام ١٩٣٦ ولدت.

وعلى ترابها وبين أزقتها وفي السباحة في نهرها واللعب على نواعيرها وسماع صوت نعيرها والنزهة على بساتينها وبين حقولها وفي باديتها والتردد إلى مضافاتها نشأت وترعرت.

وفي مدارسها تدرجت وتعلمت وتهذبت.

وعلى يد مفتي حماة العلامة الشيخ محمد سعيد النعسان المتوفى ١٩٦٧م في جامع النوري تزكيت وترقيت.

ومن ينابيع العلم والأدب والحكمة نهلت وتثقفت.

ومن كلية الزراعة جامعة القاهرة وفي عام ١٩٦٢ تخرجت.

وفي دمشق ولمدة سنتين في وزارة الزراعة عملت.

ثم في حماة كرئيس لمصلحة الإرشاد الزراعي ، وخلال هذه الفترة انتخبت لدورتين عضواً من قبل المهندسين الزراعيين في سوريا لمجلس النقابة المركزية بدمشق.

إلى أن غادرت حماة مضطراً في ١٩٨٠م إلى دمشق ، ثم الرياض ، إلى أن حططت الرحال في ١٩٨١م في المدينة المنورة بجوار المصطفى عليه الصلاة والسلام فأقمت وتشرفت ، وإلى الآن وأنا فيها من عام ٢٠٠٥م ولله المنة والحمد).

عمل في المدينة المنورة في إحدى الشركات لبضع سنوات ، ثم تفرغ للقراءة والتأليف.

– عالم وأديب بلا لحية ولا جبة ولا عمامة :

إن شئت أن تطلق على هذا الإنسان الرائع أنه : (عالم بلا لحية ولا جبة ولا عمامة ) ، مع أنه مهندس زراعي.

لم تكن هناك صلة مباشرة تربطني به في حماة ، ولا أعرف شيئاً في البداية عن اهتماماته العلمية والأدبية، ولكن عندما كنت آتي المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم لأجتمع بالوالد – عليه من الله تعالى شآبيب رحماته – كان يدعوننا الدكتور مروان الشققي رحمه الله لبيته، وكنت أرى المهندس الأديب عبد المجيد من جملة المدعوين.

وكان يجلس بجانب الوالد ويسأله عمن يعرفه من علماء حماة الذين عاصرهم أو لم يعاصرهم : فكنت أرى المهندس أبا منير في حالة من السعادة والنشوة كمن التقط درة أو وقف على صيد ثمين ، ما كنت أعلم أنه يريد أن يجمع كتاباً حافلاً عن علمائها ، وبالفعل صدر بعد ذلك الكتاب في عدة مجلدات بعنوان : ( من مشاهير وعلماء حماة ) ، وكان اسم الوالد رحمه الله ضمن من ذكرهم في كتابه للتعريف ببعض هؤلاء العلماء ، وما سمعه عن أحوالهم ومكارمهم.

انقطعت الصلة به تماماً ، وبعد سنوات أتيت المدينة المنورة وبقيت فيها عدة أسابيع، وفي آخر يوم وفي ليلة السفر وإذا بأخ حبيب جاء ليزورني ، وفي نهاية اللقاء قال لي : هل قرأت كتاب : ( حماة : نهر ونواعير وأنين شوق وأشجان وحنين ) لأبي منير؟ فقلت له : لا، قال : سآتيك به هذه الليلة وأصوره لك.

وبالفعل أتى به في ساعة متأخرة من الليل، وعندما عدت لدبي ، ولشدة شوقي لقراءة الكتاب مع أنني متعب من السفر، ولكن فتحت الكتاب ، وبقيت إلى الفجر وأنا أقرأ به ، وإذا بي أمام أديب ذواقة للشعر ، يعشق البيان ويطرب للكلمة البليغة الجميلة ، واسع الاطلاع على كتب الأدب والشعر والتاريخ .

في اليوم الثاني اتصلت بأخينا المهندس أبي منير : فعرَّفتُه بنفسي، وقلت له : ( ما كنت أدري أنك عالم مخبوء في أثوابك ، والكثير من العلماء لا يعرفونك، لقد بهرتني بهذا الكتاب الرائع والذي لم تترك فيه مقالة ولا قصيدة ولا نثرا كتبه العلماء والأدباء والرحالة بحماة وإلا وسطرته، وإني لأشكرك الشكر الجزيل على هذا الجمع الرائع الذي يعد تحفة أدبية أهديتها لحماة ولأهلها ومحبيها ).

فأجابني : ( أشكرك على ما تفضلت به ، وإنه لا يعرف الفضل أهل الفضل إلا ذووه ، وهذا الكتاب أودعت فيه حصيلة قراءاتي في كتب الأدب والتاريخ والتراجم ).

وبعدها استمر التواصل فكان أول كتاب من كتبه أرسله لي كتابه: (العلامة محمد سعيد النعسان مفتي حماة ورائد نهضتها) وعندما وصلني هذا السفر المبارك بدأت بقراءته ، ولشدة تعلقي به لم أستطع النوم إلا بعد أن فرغت من قراءته كاملاً ، وعاودت الاتصال به فقلت له :

( أخانا الحبيب ابا منير لقد ذبحتني بغير سكين عندما قرأت ما كتبتَه في شيخك وعالم حماة ومفتيها، والذي لم يترك مجالاً من مجالات النهضة العلمية والاجتماعية والخيرية والمهنية إلا وسعى لأن يرقى بها بلدته الطيبة، وكم شعرت بقزامتي وحقارة شأني عندما أقارن نفسي بهؤلاء الكرام الذين بذلوا هذه الجهود المباركة بهمة لا تعرف الكلل ) .

وهكذا كلما ألف كتاباً أو وقف على رسالة جميلة أو قرأ قصيدة رائعة إلا ويتصل بي مشكوراً من المدينة المنورة يخبرني بها ، ويبشرني أنه سيرسلها لي في أسرع وقت.

والعجيب أن سائر كتبه ورسالاته كان يطبعها عن طريق الحاسوب بجهده الخاص وتصل لآلاف الصفحات ، وكلما وصلني كتاب من كتبه أقول له : ( يجب تقديمها لدور النشر لطباعتها، لا تحرم العلماء وطلاب العلم وأهل بلدك مما جاء فيها : ليعرفوا فضل علمائهم وقدر مدينتهم ) ، ويعدني بأنه سيحاول ، فرأيت فيه ذلك العالم الذي لا يريد بما يكتبه شهرة ولا مكانة ولا سمعة.

بعض مؤلفاته :

أ‌- العلامة محمد سعيد النعسان مفتي حماة ورائد نهضتها

ب‌- حماة : ( نهر ونواعير وأنين شوق وأشجان وحنين) .

ت‌- ( من مشاهير وعلماء حماة ) وهو تراجم لعلماء حماة في القرن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر الهجري

ث‌- الحرص على المال والمنصب آفاته وعلاجه ، جزءان ( 1-2 )

ج‌- الكناش من ثمرات القراءة (1-2 )

ح‌- رسالة صغيرة : العلامتان الحمويان الشيخ محمد سعيد النعسان والشيخ محمد الحامد.

– وفاته :

توفي يوم الاثنين في ( 12 / جمادي الأولى / 1431 الموافق 26 / 4 / 2010 ) ، وصلوا عليه في المسجد النبوي ، ودفن في جنة البقيع.

رحمك الله أبا منير فلقد فقدنا فيك الأخ النبيل ، والأديب الأصيل المتواضع الكريم.

– قصائد قيلت في رثائه :

أ‌- رثاه ابن خالته الأديب الشاعر المهندس ريان عبد الرزاق الشققي بهذه القصيدة :

1- علا شبح المنون على الديار *** غلالةَ صائـح دون اخـتـيار

2- قضاء الله عدل في البرايا*** وأمـر الله في الداريْـن جـارِ

3- وأنَّ الحكـم للمـولى أكـيـدٌ*** وأنّ الشمس تهوي في انحـدار

4- ويبقى فـي الورى عمل وروح*** ووجه الله في الأكوان سـارِ

5- أخِـلنا العمرَ وقفٌ في ربـانـا*** وأنَّ معاشـنا طول النهار

6- وأنَّ الـعـمـر مـوفـور عـريـض*** وأنَّ الـعـمـرَ معدومُ الإطار!

7- وجـئـنـا للـحـيـاة بـأمـر ربٍّ*** وعشنا والحياة إلى انصهار

8- فـتـأتـيـنـا المـنـايـا بـعـد حـيـن*** مجيءُ حصادها بعد البذار

9- دعـائـي لا يـضاهـيـه دعــاءٌ*** صلاتي في الحقول وفي البراري

10- وصوتي في المدى (لأبي منير) *** يعـاود بالـدعاء بـلا انحـسار

11- غـداة قـضـى وما للموت بـدٌّ*** أصاب النـفـسَ مـخـبـوءُ الشـَّرار

12- فراح الطـيـف طـيـفـاً للأعـالـي*** عـليَّ الـقـدر تـنـعـيـه الدراري

13- أتـاني ما أتـاني فـي مسـائـي*** مـنـيـرَ الـوجـه وضّـاء الإزار

14- أحبَّ العلم والآداب طرّاً*** وجـاهـر بـالفـضـيلـة بـاقـتـدار

15- أحبَّ الدينَ ، والعلماءُ نــورٌ*** فأعـطـى للورى درر الـمـحـار

16- وأسـرج خـيـلـه شـغـفــاً بـعـلـمٍ*** وديـدنـه الـتـأسـّـي بـالـكـبـار

17- أحب الأرض والأوطان عمراً*** وعانى في النوى بُـعْـدَ المزار

18- أحب الحقل والزيـتـون دهراً*** حـبــاه الله حبـّـاً للـبـراري

19- وصوت الأرض في الآذان يطغى*** رنـيـنـاً دائـباً دون انـدثـار

20- تراث (حماة) في جنبيه يسري*** ورجع الحب يمكث في الجرار

21- دنان الشـوق تـمـلـؤهـا الـوصايا*** تفيض إلى المزارع والحواري

22- مـيـاه (حـمـاة) في ذكراه نهـرٌ*** جرى (العاصي) بهمس وانهمار

23- مضى (وحماة) تذكره خـلـوقاً*** رؤوفاً يـعـتـلـي ضـوء الـمـنـار

24- غريبُ الدار يـا صحبي غريبٌ*** ومـا لـغـريـبـها سـكـنٌ بـدارِ

25- غريب بـتَّ في أرض حـنون*** عـبرتَ الوقت شـوقاً للـديـار

26- بطيبة عـشـتَ يا خـلّـي بـعـيـداً*** ولكنْ جدْتَ فـي حسْـن الـقــرار

27- وجاورتَ الرسولَ عـظيـم أمــرٍ*** وقـبـر المصطفى أحـلى جـوارِ

28- رضـيـنـا بالـقـضـاء الـعـدل دوماً*** فربُّ الكون فـي الأرجـا دثـاري

29- إلـيـك إلـهُـنـا دعـواتُ صـدقٍ *** رحــيــمٌ أنت يـا ربَّ الـجَـوارِ

30- سلام الله وضّـاح عـلـى مـن*** لــه الجـنـات نـرجـو بالـثـمـار

31- ومـغـفـرة مـن الرحـمـن أوفـى *** إلـيـك (أبا مـنـيـرٍ) فـي الجوارِ

ب‌- ورثاه الدكتور أحد الخاني بهذه القصيدة :

1- العلم و القرطاس و القلم *** يبكيك والأحباب كلهم

2- حرم المدينة كنت تعمره *** فبكاك في أندائه الحرم

3- وبكاك كل غريب دار نازحة *** في غربة ألوى بك السقم

4- حتى النواعير التي اشتاقت لكم *** والنهر يبكي والدموع دم

5- والحور والصفصاف يبدو دامعاً *** والقلعة الشماء و الأكم

6- أعجلت خطوت ذي حماة تيتمت *** من فقدكم ، أنت الأصيل الملهم

7- مازال صوتك في المحافل عالياً *** ومجلجلاً والفكر منهم مبهم

8- حتى أنرت طريقهم كمنارة *** في ليل فكر والمحجة تظلم

9- جاوزت خير الخلق طه قرة *** لعيون من بجوار طه يحلم

10- فاهنأ ، وخلدت المآثر تزدوي *** فلك الخلود بكل قلب تكرم

ت‌- ورثاه المهندس مصطفى عبود كلبون بهذه القصيدة :

1- حمامات النواح الباكيات *** على أغصان شجو عاريات

2- تنوح على الأحبة باكتئاب *** وتبكيهم بأنواع اللغات

3- ألا فابكي فتى شهما كريما *** ألا فابكي أخا حسن الصفات

4- ألا نوحي على سمحٍ وفيٍّ *** كريم الأصل ذي خلق مواتي

5- ألا فابكي المروءة قد تجلت *** بإخلاص القلوب الصادقات

6- ألا نوحي وعزِّينا وقولي *** نعيتُ أبا منير في التقاة

7- أقول ولا أوفيه رثاء *** فلن يسع الكلام الصالحات

8- ولكن كي أنفس ما بقلب *** رأي نور الندى أبهى السمات

9- عسى هذا القصيد يزيل شيئا *** من الحزن الممكن في الحشاة

10- مع الأمل الكبير يكل خير *** من المولى الكريم الأعطيات

11- لقد كان الفقيد سليل مجد *** من الخيرات في نبل الأناة

12- تراه بكل بشر وابتسام *** يشيع بقلبهم أمل النجاة

13- وأما فكره فتراه نورا *** من المفتي أتاه ببينات

14- فكان فقيدنا علما مقيما *** على أسس التقى وبلا شتات

15- فقد وجبت لك الحسنى بما قد *** أتاك ثناؤهم في الطيبات

16- بذا قد جاء في الخبر المجلى *** بقول المصطفى ذي المعجزات

17- وأن نلت الجوار جوار طه *** بذي الدنيا وما بعد الممات

كاتب الترجمة: خلدون مخلوطة