الشيخ سعيد النعسان
مولده و نشأته:
ولد الشيخ “محمد سعيد نعسان” في حي”الباشورة” في “حماة” عام /1852/م، حيث نشأ وترعرع في بيت يسوده العلم ومكارم الأخلاق . درس على يدي والده الشيخ “مصطفى النعسان” إمام “الجامع النوري” وخيرة علماء “حماة” أمثال الشيخ “طاهر الجزائري” والشيخ “حسن بن أحمد” الذين يعدون من كبار علماء المدينة في القرن الثالث عشر.
شغفه بالعلم وحبه لزيادة معارفه دفعه للاطلاع على معارف الآخرين من العلماء وخصوصا من مصر فاستفاد معارف كثيرة أهلته لأن يكون رائد النهضة التعليمية بـ”حماة”».
أسس الكثير من المدارس الخاصة ورياض الأطفال للذكور والإناث في وقت كان يعز فيه وجود المدارس في البلاد العربية بسبب “سياسة التتريك” التي اتبعتها الدولة العثمانية في آخر عهدها، فأسس مدرسة “عنوان النجاح”، ومدرسة “أبي الفداء” للذكور /1921/م ومثلها للإناث /1923/م وأيضا للأطفال /1940/م وروضة “البارزي” للأطفال /1927/م ومدرسة للأميين بعد الاستقلال /1946/م وغيرها.
وكان له أياد بيضاء لم تقتصر على التعليم فقط، بل امتدت إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، ورعاية الأيتام وطلبة العلم وعلاج العجزة والمرضى، فقد أسس جمعية “أعمال البر” في سنة /1911/م لمساعدة الفقراء والأرامل والأيتام والمحتاجين، بخاصة التلاميذ منهم، بما يجود به الأغنياء والمحسنون من أموالهم. كما أسس أول “دار للعجزة” في سورية، أسسها في البدء في”البيمارستان النوري” الذي أنشأه “نور الدين الزنكي” في الجهة الجنوبية من “الجامع النوري”. ثم بنى بعد ذلك دارا حديثة للعجزة في حي “المحطة” بأموال أهل الخير والمحسنين، ونقل إليها العجزة، حيث كانوا يلقون فيها الرعاية والعلاج بما كان يجمعه من تبرعات الأغنياء والمحسنين، وهي لا تزال قائمة إلى الآن. كما كان من المؤسسين لـ”ملجأ الأيتام الإسلامي” في المدينة».
كان الشيخ إماما لـ”الجامع النوري”، فقد تخرج على يديه الكثير من رجالات “حماة” وأعيانها ومشايخها أمثال الشيخ “محمود الشقفة” والشيخ “محمد الحامد”، وأشرف على طبع ونشر الكثير من الكتب المفيدة، وشرح وألف العديد من الكتب، منها شرح كتاب “تحفة الأريب بما في القرآن من مريب” “لابن حيان الأندلسي”، وشرح أيضا كتاب “كفاية الغلام في أركان الإسلام” للشيخ “عبد الغني النابلسي”،وحقق كتاب “التصريف الملوكي” “لابن جني”، وألف كتاب “تعليم اللغة العربية”، وكان مركزه في غرفة صغيرة في الجناح الغربي لـ”الجامع النوري”، وكان الشيخ “محمد سعيد النعسان” مديراً للمعارف حتى عام/1921/م ثم عين “مفتيا عاما”على “حماة” وضواحيها منذ سنة /1925/م حتى وفاته، وأيضا كان رئيسا لـ”مجلس أوقاف حماة “وعضوا في”المجلس الإسلامي الأعلى”، وعندما قام الشيخ “بدر الدين الحسني” ومن معه من علماء “دمشق” في جولة على المدن السورية لإثارة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي كان منزلهم في “حماة” عند الشيخ “محمد سعيد النعسان”حيث أقام لهم دعوة حافلة.
وأقيم للشيخ في عام /1957/م حفل تكريم بتوجيه من رئاسة الجمهورية آنذاك نظرا لما تحلى به من حكمة شديدة وأياد بيضاء على العلم والعلماء ومآثر عظيمة كانت سببا لنهضة “حماة” العلمية والفكرية والاجتماعية والجهادية وحتى الصناعية، فقد تداعى علماء “حماة” ومفكروها ورجالات الدين المسلمون والمسيحيون إلى إقامة هذا الحفل وشكلت لجنة للتكريم برئاسة “سامي السراج” وبحضور رسمي وشعبي كبير في المركز الثقافي في”حماة”، وقد قلده المحافظ آنذاك السيد “جميل القربي” وسام الاستحقاق السوري نيابة عن الرئيس “شكري القوتلي” وأهدته بلدية “حماة” بيتا حديثا في حي”الشريعة”، لكنه لم يرض أن يسكنه وبقي في بيته القديم المتواضع في حي”الباشورة”،إلى أن توفى فيه».
وفاته:
وبالحديث عن لحظات وفاته يختم حديثه بالقول: «توفى الشيخ في (27/3/1967) بعد أن تجاوز المائة من عمره، حيث أذاعت محطة “إذاعة دمشق” نبأ وفاته، وصدر بيان منشور من أهله وذويه، وكذلك بيان من “جمعية العلماء”معلنين وفاته، وقد توافدت جموع الناس من الصباح الباكر من كل “حماة” وخارجها وأعيان وعلماء المحافظات، وفتحت المضافات في الحي والأحياء المجاورة، وقد حضر من “دمشق” مفتي سورية الشيخ “أحمد كفتارو”، وفي الساعة الواحدة نقل جثمانه إلى “الجامع النوري” حيث قضى معظم حياته، وكان رحمه الله كريم الأخلاق ومتواضعا جدا، وكثيرا ما كان يأكل في رمضان مع الفقراء والمساكين وطلبة العلم من نزلة “الجامع النوري”.
كاتب الترجمة: موقع esyria عن محمد ميسر المصري