الشيخ محمد علي محمد سليم المراد
امولده و نشأته:
1- نسبه :
هو الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد سليم بن الشيخ محمد علي الأول (الشيخ المربي) بن الشيخ محمد سليم المراد الأول رحمهم الله جميعاً.
2- ولادته :
ولد الشيخ محمد علي المراد في مدينة حماة / سوريا في شهر ربيع الأول سنة / 1336 هـ الموافق 18 / شباط / 1918 م.
3- طلبه للعلم :
تعلم قراءة القرآن الكريم والكتابة والحساب على يدي عم والده الشيخ محمد الحسن المراد وعمه الشيخ محمد نجيب المراد والشيخ حسن الدندشي ، ثم انتقل إلى مدرسة دار العلم والتربية وذلك سنة / 1928 م ودرس فيها إلى الصف الخامس وكان لدار العلم شهادة رسمية ، تخرج الشيخ فيها ، ثم انتسب للمدرسة الشرعية في حماة سنة / 1933 م ودخل الصف الثاني الشرعي.
4- من العلماء الذين درس عليهم في حماة :
درس الشيخ محمد علي المراد معظم العلوم الشرعية والآلة على علماء حماة وعلى رأسهم المدير الشيخ محمد توفيق الصباغ رئيس جمعية العلماء، والشيخ محمد زاكي دندشي، والشيخ عارف قوشجي وغيرهم ، وبقي فيها ثلاث سنوات ، أخذ الشهادة الشرعية سنة / 1936 م ، ثم انتسب إلى المدرسة الخسروية في حلب.
وفي سنة 1944م يسر الله له السفر إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف ، وكان من زملائه ابن عم أبيه الشيخ محمد بشير المراد الذي أصبح مفتي حماة بعد ذلك، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، الشيخ الدكتور فوزي فيض الله , الشيخ عثمان يحيى (من حلب)، الشيخ الدكتور عبد العزيز عزة الخياط (من نابلس) ، الشيخ صلاح الأزهري (من اللاذقية) ، وكانوا يسكنون في بيت واحد.
5- أشهر العلماء الذين تلقى عنهم أثناء إقامته في مصر :
الشيخ مصطفى الحمامي ، والشيخ محمد زاهد الكوثري ، والشيخ عبد الخالق الشبراوي ، والشيخ عبد الله الصدِّيق الغماري ).
6- تخرجه في الأزهر وبدء علمه في التدريس والدعوة :
تخرج الشيخ في كلية الشريعة سنة 1948 م، ثم رجع إلى حماة وبدأ بمساعدة أعمامه في وظائف المسجد من تدريس وإمامة وخطابة ، تقدم للتدريس في المدارس الحكومية في وزارة المعارف ، وعُيّن في حلب مدرسا لمادة التربية الإسلامية ، وبعد مضي سنتين انتقل إلى مدينته حماة ، وبقي في التدريس ثلاثين سنة متنقلاً بين مدارسها إلى أن تقاعد سنة 1980 م.
وبجانب تدريسه في المدارس الحكومية كان يقوم بالتدريس في الجامع الجديد ، وكان يخطب الجمعة في جامع المسعود، ثم في جامع الأحدب ، وكان يحضر درس الفقه الصباحي للشيخ محمد الحامد رحمه لله في الجامع الجديد ومعه الشيخ عبد الحميد طهماز والشيخ محمود الرياحي وغيرهم.
ثم انتخبه علماء حماة ليكون رئيساً لجمعية العلماء فيها.
7- إجازاته :
حظي الشيخ محمد علي المراد بإجازات كثيرة من عدد كبير من العلماء منها : شيخه وعم والده الشيخ أحمد سليم المراد بالفقه الحنفي والحديث الشريف ، والشيخ محمد سعيد النعساني مفتي حماة ، والشيخ محمد توفيق الصباغ ، والشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة ، والشيخ محمد مرتضى الكيلاني ، والشيخ السيد محمد مكي الكتاني رئيس جمعية العلماء بدمشق ، والشيخ الطبيب أبو اليسر عابدين مفتي سورية ، والشيخ محمد راغب الطباخ من حلب ، والشيخ عبد الوهاب الحافظ الملقب بدبس وزيت ، والشيخ محمد الحامد، والشيخ محمد زاهد الكوثري ، والشيخ ياسين الفاداني المكي ، وغيرهم.
8- هجرته :
هاجر الشيخ إلى المدينة المنورة في شهر رجب سنة 1400 هـ الموافق 1980 م واستقر بها إلى وفاته رحمه الله.
كان محل ثقة علماء أهل المدينة وأهلها وزوَّارها ، ومقصد الحجاج والمعتمرين والزائرين سواء من أهل حماة أو سوريا عامة والبلاد الإسلامية يقصدونه بالفتوى وطلب العلم والتفقه في الدين وخاصة في المذهب الحنفي فكان العمدة للعلماء في هذا المذهب.
9- من الذكريات الطيبة التي تربطني بالشيخ رحمه الله :
هناك من تلتقي به فيترك له بصمة رائعة في نفسك، وذكرى عطرة في وجدانك، وكأن ذلك انعكاسا عن أثر قبول أكرمه الله به ، أو إشعاع نور صدق وإخلاص صادر من مرآة قلبه فلامس أفئدة من عاشره ، ومن هؤلاء الذين بقيت لهم صورة جميلة في مخيلتي لا تغيب عني : الشيخ محمد علي المراد الرئيس السابق لجمعية علماء حماة ، والمهاجر لمدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم ودفين البقيع.
تعود معرفتي بالشيخ لأيام الطفولة عندما كان يزور الوالد الحاج عبد العزيز مخلوطة رحمه الله في بيت ضيافته العامر المسمى بعرف أهل حماة بـ (المنزول) بمنطقة الحاضر في “حي الأميرية” ، فكنت أرى هيبة العلم وجلالته، فيتحول المجلس عند حضوره لحلقة علم وأدب ، وموعظة وإرشاد ، ثم عندما أصبحت شاباً يافعاً صرت أراه في زيارة مجلس العارف الرباني الشيخ محمود الشقفة رحمه الله مع كوكبة من العلماء منهم الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني رحمه الله، فتشعر كأنك أمام شمس ساطعة بالتقى والنور، حولها كواكب علم متلألئة .
ثم مرَّت السنون وتوثقت العلاقة فتبين لي جوانب من شخصية الشيخ ما كنت أدركها فأصبحت أرى فيه الفقيه المدقق وكأن الفقه يجري في عروقه، والثبات على الحق ، وإذا ما زرته لا يخلو مجلسه من دعابة لطيفة ، فيباسطك بكلمات رقيقة قائلا:
هل لا زلت متمسكا بجنسيتك الحواضرية – نسبة إلى حي الحاضر في حماة) وذلك لأني تزوجت من عائلته المرادية السُوَقِية – نسبة لمنطقة السوق في حماة-)
فأجيبه مازحاً : (وهل يليق يا سيدنا أن يتخلى المرء عن أصله)
فيُسرُّ أيما سرور ، وبجانب هذا كله يتميز بقلبه الرقيق، وإحساسه المرهف ، ودمعته الغزيرة.
10- بعض من مزاياه وشمائله الكريمة :
وأسجل هنا موقفين عايشتهما من حياة الشيخ :
أ- وفاؤه العجيب ، وغيرته على علماء الأمة وحميته عليهم :
مكالمة هاتفية مع الشيخ لا أنساها في حياتي، حيث إنني اتصلت بالشيخ لأستوضح منه موقفا حول ما أثاره بعضهم عن علاقة بين عالمين ربانيين كانا لحماة كالوالدين ، لقيا الله وكان لهما فضل كبير على البلد وأهلها علما وتربية ، فعندما بادرته بالسؤال عن ذلك الشيخ ، وإذا بي أفاجأ كأن سؤالي وقع عليه كالصاعقة ، لمجرد أنني سألته هل كان بين الشيخين قطيعة ، وإذا بالشيخ محمد علي يبكي بكاء مراً، فوالله إني لأسمع له نحيباً وشهيقاً، وتحولت المكالمة وكأنها مناحة، وصرت أعتذر من الشيخعن سؤالي!!
وتمر دقائق أتكلم وأعتذر ولا أسمع إلا نشيج البكاء، فلقد نسيت الموضوع الذي لأجله اتصلت ، ثم هدأ الشيخ قليلا وقال لي :
(هل من المناسب أن تسألني هذا السؤال في هذا الوقت ولم يمض على وفاة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة إلا أيام ، وقلبي محزون على فقده ؟؟!!
يا خلدون أتريد أن تجرح فؤادي مرتين ؟
ألا يكفي ما حل بي ؟
ثم تزيد على ذلك سؤالك عن هذا الشيخ الجليل الذي أتقرب إلى الله بذكره ، وأرجو أن يرحمني به .
ثم قال الشيخ : “إن هؤلاء لا يريدون أن يتركوا عالما إلا ويحاولون تشويه سمعته، نعم قل لهم : كان الشيخان متواصلين متحابين ، وشهدت ذلك بنفسي إلى آخر فترة من حياتهما “).
اعتذرت من الشيخ أشدَّ الاعتذار ، وكم أكبرته في نفسي، وعظم في عيني ، ثم خاطبت نفسي قائلا : لو سمعت عن بعض شيوخك أو إخوانك كلاماً لا يليق هل تتأثر مثل هذا التأثر ؟، وهل تبكي مثل هذا البكاء المر ؟، وهل عندك مثل الحمية والغيرة على علمائنا الكرام ؟!.
ب- حسن ظنه بربه ، واستبشاره بلقاء الله:
في زيارة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبعد التشرف بالسلام عليه ، والصلاة في روضته المباركة ، وإذا بأحد الأحبة المجاورين للحبيب ، يشع وجهه نوراً وإيماناً، يدعى بـ : ( الحاج إسماعيل الزعيم والملقب بـ (أبي السباع)، معروف بالنخوة والشهامة ، والإدلال على الله سبحانه، وتقديم الفطور للصائمين في المسجد النبوي، يقول لي :
ما رأيك أن نذهب سوية لزيارة الشيخ محمد علي في بيته فلقد بلغ به المرض مبلغا عظيماً ؟ ، فقلت له على الرحب والسعة وهذا أقل الواجب .
ذهبت بمعيَّة أبي السباع حفظه الله لعيادة الشيخ ، فوصلنا البيت واستأذنا بالدخول ، فأُذن لنا، وإذا بالشيخ مستلق على فراشه ، تعتريه الآلام ، وقد ثقلت حركته، فسلمنا على الشيخ ، وتأكدنا من معرفته لنا ، وإذا بالحاج إسماعيل يتكلم بطريقة عجيبة مع الشيخ ، فيقول له:
بلغني أنك خائف من الموت؟
فأجابه: هذا غير صحيح
فيعيد له أبو السباع : أنا هكذا سمعت ، لماذا تخاف ؟ سبحان الله أمثلك يخاف من الموت؟
طيب يا شيخ موت ما المشكلة ؟ قل لي بريك ألست من أنت ممن ربيت الأجيال ، وعلمتنا وأدبتنا ؟ ثم بعد هذا كله تخاف من الموت !!!
ألست أنت الآن في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وجواره ؟ !
وها أنت على مسافة قريبة من البقيع ؟ وبعد كل هذا تخاف من الموت !!
والله لو أنك جئتني ضيفاً لذبحت لك طليا (كبشا من الغنم)، فكيف لو نزلت بضيافة أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين !!!
وإذا بالشيخ محمد علي ينهض وكأنه نشط من عقال ، ويخاطب أبا السباع بثقة واستبشار قائلا: الحمد لله ، أنا لست خائفاً، أنا أرجو رحمة ربي .
وهنا تدخلت في الحديث وقلت له:
سيدي الشيخ أتأذن لي أن أقول أمامكم أبياتا قالها ابن الجوزي رحمه الله ؟
فقال لي : قلها .
قلت له : لقد أوصى ابن الجوزي رحمه الله أن تكتب على قبره هذه الأبيات :
يـــا كثـــير العفـــو عمــن *** كــــثـر الــــذنب لـديـــه
جــــاءك المـــذنب يرجـــو *** الصفـــح عـــن جــرم يديــه
أنـــــا ضيـــف وجــــزاء *** الضيــــف إحســــان إليـــه
وإذا بالشيخ يتهلَّل وجهه ويرفع صوته : نعم والله، هو ضيف الله ، ولن يخيب الله رجاءه ، والحمد لله ، ونسأله أن يتولانا برحماته.
ثم طلب مني أبو السباع قصيدة في حب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : سيدي إنني أحب قصيدة لشيخنا العارف الرباني الشيخ محمود الشقفة رحمه الله قالها في حب النبي صلى الله عليه وسلم والشوق إليه ، يقول فيها :
ألا يا رسول الله يا خير شافع *** ومن هو حقاً للأنام رسول
شفاء سقامي من علاك بنظرةٍ *** فهل منك إنعام بها وقبول
على بابك العالي وقفت مؤملاً ***وما خاب في باب النبي نزيل
طرقت الباب والآمال عندي *** تسامت أن يكون لها مثيل
فلا تردد رحيم القلب واجبر ***عبيداً ظنه فيكم جميل
فكم أرجو وآمل منك خيراً *** وأسعى إنما زادي قليل
ولا تنظر لزادي إن رحلي *** أبى إلاّ بربعكم يقيل
وحقق ما رجوت وشدّ حبلي *** بحبلك رحمةً إني دخيل
سألتك والجليل يقول وحياً *** فلا تنهر فأنت أبٌ كفيل
عليك صلاة ربك ما ترامى *** على أعتابك العليا النزيل
وإذا بالشيخ يتهلل وجهه ، وتشرق أنوار الإيمان في محياه ، ويعبر عن حبه ورضاه قائلا : هنيئا هنيئا للمحبين لرسول الله ، وأنعم الله علينا بالقبول ، وأكرمنا بالرضى ، والحمد لله ، ورضينا بقضائه وقدره.
ودعنا الشيخ فكان في أهنأ حالة رأيناه فيها ، وبعد أيام بلغنا وفاته ، فأكرمه ربي بالصلاة عليه في مسجد رسوله، والدفن في جنة البقيع، فرحمة الله عليه ، وأجزل مثوبته.
11- وفاته :
توفي الشيخ محمد علي المراد رحمه الله في المدينة المنورة قبيل ظهر الثلاثاء 26 صفر الخير عام 1421 هـ الموافق 30 / 5 / 2000 م ، وقد صليت عليه صلاة الجنازة بعد صلاة المغرب في المسجد النبوي الشريف ، دفن في جنة البقيع المبارك في حشد كبير جداً ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وهنيئاً له هذا الجوار الشريف جوار النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين
______________________________________________________________
كاتب الترجمة: الدكتور خلدون مخلوطة